مقهى الأدباء

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

في وصف مقهى يقصده الشعراء والأدباء كتب القاص التركي الساخر عزيز نيسين يقول: «عندما وصلناه (أي المقهى) كان مزدحماً جداً. جلس الرواد مجموعات على الطاولات، أرباع وأنصاف الفنانين، مرشحو فنانين، فنانون مخضرمون، وعتيقون حتى رؤوس أظافرهم، كانوا يتصايحون، يتناقشون، ويقرؤون الأشعار».
الوصف جاء على لسان بطل قصة لعزيز نيسين اسمه حسن، شاعر محدود الدخل، لا بل وفقير، اعتاد أن يأتي كل مساء إلى المقهى ليلتقي بنظرائه من الشعراء، وأشباههم، وفي غمرة بهجتهم يقرأ كل واحد منهم ما كتبه من الشعر، شاعراً بمتعة تلقّيه من آخرين، ربما يُغدق بعضهم عليه تعابير الثناء على ما سمعوه.
ذات ليلة عدّ الشاعر حسن ما في جيبه من نقود فلم يجد سوى ليرتين، وخمسين قرشاً. مبلغ متواضع لن يغطي نفقة السهرة التي اعتاد دفعها، شاملة ما طلبه زملاء آخرون مفلسون يقصدون المقهى، مطمئنين إلى أن حسن سيتكفل بشربهم وأكلهم فيه. لاحظت زوجته ما هو فيه من حيرة، ورغبة منها في انتشاله مما هو فيه، رجَته وهو في غمرة تفكيره بقلّة ما في جيبه من مال، أن يبقى في البيت معها في تلك الليلة، وستقوم بتحضير عشاء لذيذ لهما.
وجد الشاعر في رجاء زوجته مخرجاً، رغم أنه ظل مسكوناً بأن يقصد المقهى، شاعراً بأنه سيصاب بالجنون إن لم يذهب ليلقي الشعر الذي كتبه في النهار على أسماع زملائه. لاحظت الزوجة ذلك، فقالت له: «يا حبيبي.. إذا كنت تشعر بالملل، فلا ضير من ذهابك إلى المقهى»، لكنه كان يدرك أن لا مال كافياً في جيبه كي يفعل، وكم تمنى لو أن أحد ندمائه في المقهى يقصده في البيت ليدعوه إلى المقهى على حسابه.
تحققت الأمنية. دقّ أحدهم جرس الباب، ولما فتحت زوجة الشاعر حسن الباب، وجدت صديق زوجها الشاعر كمال، وبعد ترحيب حار من حسن بالضيف، لأنه شعر بأن الخلاص سيأتي على يديه بدعوته إلى المقهى، أوضح الضيف، بالفعل، أنه أتى ليطلب منه أن يذهبا معاً إلى هناك، قبل أن يشير إلى أن جيبه فارغ من أي مال.
أوضح حسن لكمال أن ما كل ما يملكه لا يتجاوز الليرتين والخمسين قرشاً، وهي كافية لتغطية طلب واحد فقط، لكليهما في المقهى. وافق كمال على ذلك، وبعد أن وجدا لهما مكاناً في المقهى، شرع كمال في إلقاء قصائده على زميله، وهذا الأخير يثني بشكل مبالغ على ما يسمعه، طمعاً منه في نيل مثيله منه عندما يقرأ هو قصائده. لم يكن قد بقي سوى القليل من الوقت لقراءتها، وحين انتهى سأل نديمه عن رأيه فيها، فأجابه بلا مبالاة: «ليست سيئة».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/38za76fh

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"