خطة دراجي تثقل ديون أوروبا

22:41 مساء
قراءة 3 دقائق

كارل فيفركورن*

بعد إنقاذه لليورو المتهالك من أسواق السندات الدولية قبل أكثر من عقد من الزمان، انتقل سوبر ماريو دراجي الآن إلى مشروع أعظم، وهو إنقاذ الاتحاد الأوروبي نفسه من تناقضاته الداخلية، وبيئة دولية معادية على نحو متزايد.
وتتضمن الخطط الطموحة لرئيس البنك المركزي الأوروبي ورئيس الوزراء الإيطالي السابق، والتي حُفِظت خلف أبواب مغلقة مع كبار مسؤولي المفوضية الأوروبية، دعوات إلى تقديم الدعم المالي للقطاعات الصناعية الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، وتخفيف قواعد المنافسة للسماح بظهور أبطال الصناعة الأوروبية، وتعزيز الصناعات الدفاعية محلياً، وربما الأكثر تفاؤلاً، استبدال الولايات المتحدة كضامن لأمن القارة العجوز.
لكن، لن يأتي أي من هذا بثمن بخس. فالمتوقع إنفاق 800 مليار يورو سنوياً، أي بعبارة أخرى، تكرار للإسراف النقدي الذي مارسته دول الاتحاد الأوروبي خلال جائحة فيروس كورونا، والمسماة خطة التعافي لمرة واحدة «نيسكت جينيريشن» NextGenerationEU.
ولسوء الحظ بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لا يمكن إخفاء هذا المبلغ عن الميزانية العمومية للبنك المركزي الأوروبي، كما كان الحال في عمليات شراء السندات «بأي ثمن»، التي أنقذت اليورو. فبموجب قواعد التمويل الحالية للاتحاد الأوروبي، يجب أن تأتي هذه الأموال من الدول الأعضاء، التي لا تملك الكثير من المال، وتواجه بالفعل التزامات جديدة باهظة الثمن من الاتحاد.
إن دمج الأعضاء المرشحين في البلقان وأوكرانيا سيتطلب إعادة تمويل صناديق التنمية الإقليمية، وانفجاراً محتملاً لإعانات الدعم الزراعي، لأن النواة الغنية للاتحاد الأوروبي محاصرة مالياً بالفعل. ففرنسا مفلسة وتكافح لاحتواء العجز المرتفع. وألمانيا، التي كانت ذات يوم حصالة نقود موثوقة للكتلة، عالقة بين كابح الديون الذي فرضته على نفسها، وحكم المحكمة الدستورية الذي يحد بشدة من تحويل الأموال الزائدة إلى مشاريع أخرى.
وفي غياب النقد الجديد من ميزانيات الدول الأعضاء المتعثرة، قد يخطط دراجي لاستخدام صندوق تمويل «نيسكت جينيريشن» الخاص بالوباء وجعل الاتحاد الأوروبي يقترض المزيد من المال بشكل مباشر. وعلى الرغم من أن الصندوق تم الاتفاق عليه كصفقة «لمرة واحدة» يتم تصفيتها بحلول عام 2026، فإن جاذبيته وفائدته للاتحاد الأوروبي واضحة. لأنه بالنسبة للدول الأعضاء التي تعمل جاهدة لاحتواء عجزها، فإن اقتراض الاتحاد الأوروبي يمثل الإنفاق «خارج الميزانيات العمومية» النهائي، وهو غير متضمن في حسابات العجز الوطني لديها، ويفرض التزاماً غير مباشر على التزامات الإنفاق المستقبلية لديها.
ومع ذلك، لم يحدد بعد الاتحاد الأوروبي كيف سيتم بالضبط استعمال قروض صندوق NextGen الحالية، البالغة 800 مليار يورو، وسدادها في النهاية. وسيكون من الصعب استخراج الأموال من ميزانية الاتحاد للسنوات السبع المقبلة، والتي تكافح بالفعل لتلبية التزاماتها الحالية.
في أفضل الأحوال، سيعمل الاتحاد على تحصيل الأموال من دافعي الضرائب مباشرة في شكل «موارد خاصة»، وهو المصطلح الذي يستخدمه لوصف منح المفوضية سلطة فرض الضرائب المباشرة على اقتصاد يبلغ حجمه 19 تريليون يورو. ومن شأن فرض خط ضريبي على الرواتب، أو المبيعات، أو المعاملات المالية عبر الاتحاد الأوروبي أن يمنح سندات اليورو مصداقية فورية كبديل لسندات الخزانة الأمريكية.
إن عقبات الميزانية التي تواجه مشروع دراجي تحجب العواقب الجيوسياسية الدرامية. سوف يتخلى الاتحاد الأوروبي عن معتقداته التقليدية في مجال التجارة الحرة لصالح الحماية التي تهدف إلى خلق أبطال أوروبيين قادرين على المنافسة مع نظرائهم الصينيين والأمريكيين.
إن ما نراه في قلب برنامج دراجي ليس أقل من أجندة «أوروبا أولاً» التي يمكن مقارنتها بالرؤى الاستراتيجية التي تبناها شي جين بينغ، ودونالد ترامب. ولعل هذا مقصود، وهو علامة على قبول حقيقة مفادها أن العالم يتحول إلى كتل تجارية ودفاعية إقليمية.
* كاتب مقال في موقع «بروكسل سيغنال»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/p3m8j9dz

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"