في رحلتي أمس لمونتريال، كنت أشاهد أفلاماً لها صدى، وقد حصل كُتَّابها على تصنيف أصحاب الكتب الأكثر مبيعاً، وكانت القصص تتكرر عمن يكون صديقاً، رفيقاً للروح ويرحل، وكيف تكون الحياة والمشاعر قاسية على المرء أحياناً وحنونة أحياناً أخرى.
مر عليّ شريط ذكريات كثيرة، كانت قبل 23 عاماً، وهو موعد رحيل صديقتي الغالية «هناء» رحمها الله، في أغسطس 2001، تلك الذكرى التي لا تزول من ذاكرتي ولم تجعلني الأيام أنسى أنني افتقدها كل يوم، لابتسامتها، لحزمها، لصرامتها، لخوفها، لقدرتها على جعل الأشياء تستحق المحاولة، لكل الأحاديث التي لم أقلها لها والتي قلتها مختصرة، لم نتعلم يومها أن نكون صريحين وممتنين لبعضنا أو أن نعيش ونحن نبوح بمشاعر التقدير والحب لصديق الحياة والرحلة.
لا تزال الأيام كلما امتدت تذكرني أني فقدت شخصاً لا يتكرر، صديقاً ذا عملة نادرة، قلباً وخلقاً وبصمة، الفقد صعب مؤلم وخانق، وما نمرّ به كل يوم من قصص تعيد فينا الحكمة ذاتها، أحبوا من حولكم، أخبروهم، عيشوا معهم الحياة الحقيقية، بوحوا بما في دواخلكم، الصراخ أحياناً يحرر العلاقات من تراكمات قاتلة في آخر المطاف، الإحساس الذي يعيشه المرء منا بعد الفقد لا يزول إلا برحمة من الله.
في هذه الحياة كلما تسارعت وتيرة الأشياء وأصبحت مقلقة ومضغوطة استحقت الروح فينا أن نعيرها انتباهاً وحناناً.
علمتني صديقتي أن أكتب، وأن أفخر بأني أكتب، وأن أكون كاتبة لأنها آمنت بقوة القلم، علمتني صديقتي أن أحب القرآن وأقرأ تفسيره، علمتني أن أكون بخير وأكون في خير الآخرين، علمتني صديقتي أن أحسن النية وأن أبتسم وأن يكون وجودي في مجرى حياة الآخرين ذا قيمة وسبباً للاستمرار، علمتني في أحلامي التي لا تزال تزورني فيها أن أتكلم وأن أفضفض، أن ألجأ لمن أحب، وعلمتني الحياة أن الصديق الحقيقي إن رحل عن الحياة لا يرحل عما أوجده في حياتنا، وما تركه معنا حين رحل.
علمتني الحياة أن الحب الحقيقي يأتي في قيمة الإنسان الذي نرافقه ونعيش معه التفاصيل المهمة في هذه الدنيا، وعلمتني الدنيا ألّا أؤجل الكثير من مشاعري وإن كنت لا أزال أتزدد فيها، وأن أعبر عن الحب لمن حولي، وسأعلمك سراً عن هذه الحياة: من نحبهم لن يبقوا حولنا كثيراً، وتأجيل الأشياء وقولها ليس صحياً، بل ستبقى كل تلك الكلمات محشورة في قلوبنا حين لا تجد منا عبوراً لمن يستحقها، علمتني الحياة أنه وبعد 22 عاماً لا تزال صديقتي حقيقية، حية تعيش معي في الكثير من تجاربي وما أنجزت، يرحمها الله وجعل ما أكتب يصلها صدقة وحباً يا رب.
https://tinyurl.com/y36493ut