تحقيق: محمد إبراهيم وعهود النقبي
مع بداية كل عام دراسي جديد، يشهد الميدان التربوي بعض الأمراض المعدية، أهمها الإنفلونزا الموسمية، ونزلات البرد غير المعتادة بين الطلبة، لأسباب قد تعود إلى تغير المناخ وانتقال الطلبة من مناطق جغرافية مختلفة، ليصبح الاستنفار جزءاً أصيلاً من استعدادات العودة للمدارس للوقاية والحد من العدوى بين المتعلمين، بسيناريوهات صحية لحماية الطلبة، وأخرى تربوية تحافظ على استمرارية تعليمهم.
أولياء أمور أكدوا أن أبناءهم طالتهم نزلات برد غير مقلقة نتيجة اختلاطهم برفاقهم، ولكن إدارة الصحة المدرسية تعاملت مع حالات البرد المختلفة بطرق متعددة، إذ يستطيع الطالب المصاب متابعة دروسه عن بعد مع أقرانه من دون ضرر، فيما يظل الأصحاء منهم يتلقون دروسهم بشكل مباشر.
يرى معلمون أن تعدد أنماط التعليم في المنظومة، أبرز الجوانب المشرقة التي توفر خيارات متنوعة ومرونة فائقة في تعليم الطلبة والمحافظة على سلامتهم وصحتهم، وظهر ذلك جلياً عند التعامل الاحترافي مع إصابة بعض الطلبة بنزلات برد متنوعة.
عدد من مديري المدارس أكدوا نجاح إدارتهم في اختبار حماية الطلبة والتعامل مع الحالات المصابة بنزلات البرد بكل احترافية، وفق سيناريوهات حافظت على توفير التعليم للمصابين وحماية الآخرين من انتقال العدوى إليهم، وحملات توعوية تثقيفية حول الإنفلونزا الموسمية ونزلات البرد.
بدورها أطلقت الجهات الصحية المختصة في الدولة الحملة الوطنية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية، التي تستهدف طلبة المدارس، حيث إن الحملات التوعوية التابعة للجهات الصحية مستمرة بنشر التوعية بأهمية اتباع الأنظمة الصحية الواقية من الإنفلونزا.
«الخليج» تناقش مع المجتمع المدرسي، جهود المدارس في التعامل مع نزلات البرد المنتشرة بين الطلبة حالياً، وكيفية التعامل مع هذه النوعية من الإصابات باحترافية من دون الإضرار بصحة وسلامة الطلبة والكوادر.
احتواء المصابين
البداية كانت مع عدد من أولياء الأمور «إيهاب زيادة، سلمى مطروش وعلياء سامي وحمد على وخالد عمران» الذين أكدوا إصابة أبنائهم بنزلات برد شديدة خلال الفترة الماضية، ولكن قامت مدارسهم بدور كبير في احتواء الإنفلونزا التي بددت طاقاتهم وشتت قواهم الجسدية، مع المحافظة على الجانب التعليمي وتحصيل الدروس والمواد من دون الاختلاط مع الطلبة الأصحاء.
وقالوا إنه تم فصل الطلبة المصابين ليتابعوا دروسهم عن بعد، حتى اكتمال شفائهم، والعودة إلى مقاعد الدراسة للحصول على التعليم المباشر بتقرير طبي يفيد إتمام الشفاء، وذلك محافظة على صحة وسلامة الطلبة جميعاً سواء المصابين أو الأصحاء، موضحين أن السيناريو المشهود يعد ثقافة مكتسبة من جائحة كورونا التي أثرت خبرات الكوادر وأولياء الأمور للتعامل مع الحالات المصابة بنزلات البرد، وكيفية حماية الآخرين منها.
استيعاب الأوضاع الصحية
المدارس قادرة على التعامل مع حالات الإنفلونزا الموسمية ونزلات البرد التي تصيب الطلبة بكل مرونة واحترافية من دون الإضرار بالعملية التعليمية بمختلف مكوناتها وآليات عملها، هذا ما أكده عدد من المعلمين «إبراهيم القباني، وعلي مرزوق وسميحة وهبي وريبال غسان العطا»، موضحين أن فئات المجتمع المدرسي تتمتع بثقافة وقدرة على استيعاب الأوضاع الصحية بمختلف أنواعها وكيفية التعامل معها.
وحول آليات التعاطي مع الحالات الطلابية المصابة بنزلات البرد، أفادوا بأن الطالب الذي يعاني نزلة برد أو إنفلونزا أو غيرها من الإصابات التي يسهل انتشارها وانتقالها للآخرين، يستطيع أن يتلقى دروسه من البيت ويطبق عليه التعلم عن بعد حتى يكتمل شفاؤه وفق الجدولة الزمنية المعتمدة للحصص وكأنه في قاعة الدرس مع زملائه.
وأضافوا أن هناك قنوات متعددة تم توفيرها للطالب مسبقاً للتواصل مع المعلم في أي وقت وبدون خجل للسؤال أو الاستفسار، وقد يصل الأمر إلى شرح جوانب من الدروس من دون أية مشكلة، فيما يلتزم الطلبة الأصحاء في التعليم الحضوري بكل مرونة ويسر، موضحين أن تعدد أنماط التعليم ومرونة تطبيقها يعد مظهراً من التطوير في المنظومة، وقدرة المدارس على التعامل مع تلك الحالات.
سهوله ويسر
في المقابل أكد عدد من مديري المدارس «سلمى عيد وخلود فهمي ووليد فؤاد لافي، والدكتور فارس الجبور»، أن الأمور مستقرة، ولم تؤثر حالات البرد والإنفلونزا المنتشرة هذه الأيام في العملية التعليمية، فالجميع يتلقى معارفه وعلومه بسهولة ويسر، من دون أي قصور من أحد الأطراف، وهذا نتيجة للوعي والخبرات التي يتمتع بها الميدان.
وبالنسبة للحالات الطلابية المصابة، أفادوا بأنها متفاوتة وغير مقلقة، كما أن نزلات البرد والإنفلونزا حالات، والميدان التربوي معتاد عليها وليست وليدة الأمس القريب، مؤكدين سير العملية التعليمية بكل نشاط وحيوية من دون أي مؤثرات مقلقة، إذ إن الجميع ملتزم بالدوام المدرسي سواء على مستوى الكوادر أو الطلبة الأصحاء وغيرهم.
إجراءات وتقرير طبي
وفي وقفتهم مع الإجراءات التي تتبعها المدارس في حال اكتشفت إصابة طالب بنزلة برد، أفادوا بإخضاع الحالة للرعاية الصحية في العيادة المدرسية وإجراء ما يلزم من علاجات سريعة، من دون الاختلاط مع الطلبة في الفصول، ويتم إخبار ولي الأمر بحالة الطالب مع التوصيات التي تحفظ سلامته وصحته، ويلتزم الطالب المصاب بحضور دروسه وحصصه عن بعد من البيت، على أن تتم متابعته من قبل معلميه في مختلف المواد الدراسية وتقديم جميع سبل الدعم التعليمي والنفسي له.
وأكدوا أن الطالب المصاب لا يعود إلى المدرسة إلا بعد اكتمال شفائه، وينبغي أن تكون العودة بتقرير طبي معتمد من الطبيب المعالج، يفيد بقدرة الطالب صحياً على العودة من دون الإضرار بزملائه، موضحين أن جميع الإجراءات تركز على المحافظة على سلامة الجميع، لاسيما المتعلمين في الحلقة الأولى الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة فضلاً عن عدم إدراكهم كيفية التعامل مع نزلات البرد والإنفلونزا بأنفسهم.
الأمراض المعدية
الخبيرة التربوية آمنة المازمي أكدت أن المدارس تعد بيئة مناسبة لانتشار العديد من الأمراض المعدية بين الطلبة، نظراً للاختلاط المستمر والتواصل المباشر بينهم، من بين هذه الأمراض الإنفلونزا ونزلات البرد، والتهاب الحلق (بكتيريا المكورات العقدية، والقمل، والتهاب الملتحمة، العين الوردية)، فجميعها نواجهها في المدارس بشكل مستمر، فأصبح هناك ثقافة قوية حول كيفية التعامل معها.
وأكدت دور إدارة المدرسة في الوقاية، بتعزيز الوعي الصحي، وتنظيم ورش عمل تثقيفية عن النظافة الشخصية والوقاية من الأمراض، وتوفير بيئة نظيفة، وتعقيم الفصول والأسطح المشتركة بشكل منتظم، والتشديد على النظافة الشخصية، وتوفير معقمات الأيدي ومناديل ورقية في جميع أنحاء المدرسة، والتواصل مع الأهل في حال ظهور حالات مرضية لاتخاذ الإجراءات اللازمة. وشددت على أهمية دور الوالدين في تعليم الأطفال قواعد النظافة، والتأكد من صحة أبنائهم وإبقائهم في المنزل في حال ظهور أعراض مرضية، والتواصل مع المدرسة وإبلاغها في حال إصابة أبنائهم بمرض معدٍ، والحفاظ على تطعيمات الطفل.
مساحات مغلقة
وفي وقفة مع الرأي الصحي، أكد الدكتور فيصل مصلح الأحبابي المدير التنفيذي لقطاع الأمراض المعدية بالإنابة في مركز أبوظبي للصحة العامة، أن طبيعة السلوكيات التي تنتشر بين طلبة المدارس، قد تكون المتسبب الأول لانتشار الأمراض، ومنها الإنفلونزا الموسمية، ومعدل الإصابات مرتبط بشكل مباشر بوعي الأهالي والإدارات المدرسية في أهمية تثقيف الطلبة عن السلوكيات الصحية التي يجب اتباعها فور مباشرة الدراسة.
وأضاف أن المساحات المغلقة في المدارس تزداد بها أعداد الإصابة نظراً لتقارب ما بين الطلبة، ما يسهل انتقال الفيروسات والأمراض بشكل كبير، إذ تشكل العوامل البيئية والتصرفات والسلوكيات المتبعة فارقاً في معدل انتشار الأمراض ما بين الطلبة في مطلع العام الدراسي مقابل أفراد المجتمع الآخرين والذين يعتبرون أخف عرضةً بخطر الإصابة.
أعراض وتشخيص
وقال الدكتور وليد محمد أبو حمور رئيس قسم الأمراض المعدية في مستشفى الجليلة التخصصي للأطفال في دبي الصحية، إن هناك فارقاً بين أعراض الزكام العادية التي قد لا تتطلب ذهاب المصاب إلى المستشفى، وبين أعراض الإنفلونزا الموسمية، إذ إن أعراض الزكام قد يصاحبها حرارة خفيفة وسيلان في الأنف وبعض الاحتقان في الحلق، أما أعراض الإنفلونزا فتتشكل على هيئة حرارة عالية جداً وصداع وخمول وألم في العظام والجسم بأكمله.
وتظهر على الأطفال كذلك بعض الأعراض مثل التقيؤ والإسهال الأمر الذي يستدعي دخولهم إلى الطوارئ، كما أوضح أن الزكام العادي ليس له لقاح، أما بالنسبة للإنفلونزا كونها تحمل أعراضاً شديدة ينبغي أن يتوفر لها اللقاح.
قلة الوعي
وأضاف أن السبب الرئيسي وراء انتشار الأمراض هي سلوكيات الطلبة، والتي تعود أسبابها إلى قلة الوعي والحرص لدى الأهالي، الذين يتعاملون مع الإنفلونزا والأمراض المعدية بتهاون، فهناك من يرسلون أبناءهم للمدرسة بوجود أعراض مباشرة وواضحة بإصابة الطالب بالإنفلونزا.
ولا تعتبر البيئة المدرسية على المستوى الصحي إلا حاضنة للفيروسات، خصوصاً لدى طلبة المراحل الدراسية الاولى.
وشدد على أهمية أخذ اللقاحات المدرجة في البرنامج الوطني في موعدها.
عادات العناية
ركزت وزارة الصحة ووقاية المجتمع على نشر نصائح توعوية لتعزيز عادات العناية لدى الطفل وحمايته من الأمراض المعدية، وتعريفه بأهمية الحفاظ على النظافة الشخصية، وتخصيص وقت للاستحمام، وتنظيف الأسنان وغسل اليدين، فضلاً عن تقديم الفرصة للطفل لاختيار وشراء مستلزمات النظافة الشخصية وجعلها عادة حياتية.
إجراءات صحية
أكد عدد من فئات المجتمع المدرسي، أهمية وضع سياسات صحية صارمة للحد من انتشار العدوى، أبرزها مطالبة الطلبة والموظفين بالبقاء في المنزل في حال ظهور أعراض مرضية عليهم، فضلاً عن إيجاد إجراءات التعامل مع الحالات المرضية، وتوفير غرفة عزل مؤقتة للطلبة الذين يظهر عليهم أعراض الإنفلونزا الموسمية إلى حين حضور ولي الأمر.