إضعاف للأسرة والعمل

في هذا العصر الذي يتسم بالتقدم والتطور التكنولوجي والتقني، تصبح الأعمال متزايدة ومتراكمة ومتتالية ومزدحمة، وهو ما يعكس تطور مجال الأعمال والتقنيات المصاحبة لها، وهذا تحدٍ جديد يضاف للرجال والنساء العاملين، لأن الوظيفة، تأخذ جزءاً مهماً من وقتهم، وتأخذ مساحة واسعة من تفكيرهم، وقدراتهم الذهنية. وبالتالي، باتت تشكل تحدياً حقيقياً لتماسك الأسر وقوة ترابطها، فالتكنولوجيا جعلتهم متاحين على مدار الساعة.
ومع أنه توجد لوائح وتنظيمات، تحدد ساعات العمل، إلا أنه لا خيار أمام الموظف، الذي تصله رسالة عمل على هاتفه أو بريده الإلكتروني من مديره، إلا الاستجابة، وهذه الاستجابة ستكون على حساب بقية أفراد الأسرة، حيث يبقى الموظف وكأنه في حالة شد من الأعصاب، تسبب له الإرهاق والتعب النفسي، يترقب في أي لحظة أتصال أو رسالة من مديره، فلا يستمتع باللحظة والوقت الذي يقضيه مع أطفاله، حيث تجده مشغول الذهن والبال.
وهذا الترقب يسبب الإرهاق، الذي هو الإجهاد، الذي ترافقه آثار نفسية وعاطفية وجسدية. يقول عالم النفس الشهير هربرت فرودينبرجر: «الإرهاق هو نوع خاص من الإجهاد: هو حالة من الإرهاق النفسي والعاطفي والجسدي الناتج عن الإجهاد المفرط لمدة طويلة». ومن نتائج اقتحام الوقت الخاص للموظفين، التسبب في تفكك الروابط الأسرية، لأن الآباء والأمهات يقضون معظم وقتهم في محاولة إنجاز الأعمال التي لا تنتهي، ومعها يقل الوقت المخصص لأطفالهم، وللعائلة، والنتيجة تباعد وفجوة في العلاقات بين أفراد الأسرة.
هناك مشكلة أخرى يجب على مسؤولي العمل، التنبه لها، وهي أن الضغط على الموظف لا يسهم في نمو الأعمال ولا في زيادة الإنتاجية، وهذا ما توصل له بحث أجراه: John Pencavel من جامعة ستانفورد، عام 2014. تحت بعنوان: «The Productivity of Working Hours» ونشر في مجلة: The Economic Journal، ودرس العلاقة بين ساعات العمل الطويلة والإنتاجية، وبيّن أن زيادة ساعات العمل تتسبب في تراجع إنتاجية الموظفين بشكل ملحوظ، خاصة بعد تجاوزهم 50 ساعة أسبوعياً. كما أظهر أن العاملين الذين يعملون 70 ساعة أسبوعياً لا يحققون إنتاجية أكثر من أولئك الذين يعملون 55 ساعة.
إن الضغط على الموظف بمهام خارج أوقات العمل يؤثر فيه وعلى رفاه أسرته، وأيضاً يؤثر في الإنتاجية ونمو الأعمال. والأفضل دائماً التوازن، ومنح كل جانب ما يستحق من الاهتمام والرعاية.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com