هل لك أن تتذكّر معي ما إذا كان القلم قد تناول هذا الموضوع أم لا؟ النسيان آفة. خصوصاً حين تصاب به أمّة، فتنسى حتى «العلقة» التي أكلتها في آخر غداء، أو آخر عشاء. الموضوع ثقافي، إلاّ أن الثقافة، كما ينسى المثقفون أحياناً، تُراوح بين تثقيف العود، والثقافة الاستراتيجية، التي تسطو على مقدّرات قارّات، حين تتخفى خلف تقمص دور الأمّ الرؤوم أو الأب النصوح، إلى أن تغدو البلدان عظاماً بلا جلود، أمّا إذا أرادت القبضة الفولاذيّة انتهاج الواقعية، وصاحت: «اشتدّي أزمةُ تنفجري.. قد آذن ليلك بالغَجَرِ»، اقتحمت مسرح الغاب العالمي على هيئة «ضِرْ غاصور» أي أسد في حجم ديناصور. عندئذ يسيل اللعاب إلى ابتلاع لُقم مساحتها ملايين الكيلومترات المربعة، مثل الصين وروسيا. أمّا الشرق الأوسط فمقبّلات.
في هذا السياق، خطرت بالبال مسائل ثقافية، مثلاً: لماذا تبدو الحضارة الغربية في عجلة من أمرها، فقد نضت عنها بعنف ثوب أستاذة الديمقراطية والفلسفة والموسيقى السيمفونية، وهبطت من فراديس الأحلام، إلى فتح «صندوق باندورا» في أقاليم منتقاة من الكوكب. كأنها تسعى إلى الأرض المحروقة. كأنما ترى في الآفاق طلائع نظام عالمي جديد. بالمناسبة: إذا كان المثقفون قد داعبت حاسّة شمّهم نسائم نظام عالمي جديد، فهل ستتغير منظومة القيم لدى المثقفين العرب؟ هل سيتساءلون: لماذا كان جزاء الاستلاب الثقافي وتقليد المغلوب للغالب، هو تداعي أحجار الدومينو في دول عربية عدّة، من بينها أكبر رمزين في تاريخنا، العصر الأموي والعصر العباسي؟ هل سيغير المثقفون العرب نظرتهم إلى الثقافة، فتغدو ثقافتنا العربية ركناً ركيناً، وحصناً حصيناً، في بنيان الدول؟ هل في مقدور المثقفين أن يجعلوا الثقافة جزءاً أصيلاً في المناعة المكتسبة للأوطان؟ أصيلاً، لغير العارفين، بمعنى فاعل غير ديكوري. بعبارة أخرى ألاّ تكون الثقافة طربيّة، تطريبيّة.
قد يكون مخ المقصود عسيرَ الهضم لدى بعض المثقفين أو بعض غيرهم، فالقلم يؤمن بأن الثقافة العربية ستظل هلاميةً بلا قوام، تزيينيّةً، هامشيةً، إلى اليوم الذي يرى فيه العالم العربي مفكرين لهم أثر في الحياة العامّة، لنظرياتهم انعكاس على الميادين المعنيّة. تغدو الثقافة العربية ثقافةً عربيةً بحق يوم نرى وحدةً اندماجيةً بين العلوم والثقافة، يداً في يد. يومَها تولد الثقافة الاستراتيجية العربية. يومَها تختفي المسافة بين الأدب والمصنع، بين الموسيقى والمختبر، بين الفن التشكيلي ومركز البحث العلمي.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: يجب تغيير الكثير في الثقافة العربية، حتى لا يقع العرب في استلاب جديد. آن للهوية أن تستيقظ.
[email protected]
https://tinyurl.com/45ur6ra8