استقالة بالنيابة

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين

تساور الكثير من العاملين في الشركات وغيرها، الرغبة في الاستقالة من وظائفهم. أسباب ذلك كثيرة، فقد لا تكون الوظيفة التي يشغلها العامل أو الموظف متسقة مع هواه، أو أنه يراها صعبة ومنهكة وتستنزف منه وقتاً وطاقة كبيرين، أو أن يكون الراتب الذي يتلقاه قليلاً مقارنة بحجم ما يؤديه من عمل، وهناك أسباب أخرى، صحية ونفسية وسواها.
هذه الرغبة في الاستقالة من العمل دونها صعاب ومعوقات، لعلّ في مقدمتها صعوبة الحصول على وظيفة أخرى أنسب في موقع عمل آخر، أو التزام العامل بقروض بنكية يسددها شهرياً من راتبه، ما لا يسمح له بالانقطاع عن العمل، وهناك أسباب أخرى منها تلك التي يتحدثون عنها في بلدٍ كاليابان، الموصوف بأنه «البلد المشهور بولاء الموظفين والشركات والتوظيف مدى الحياة»، ويُنظر إلى قيام الأشخاص الذين يطمحون إلى تغيير في مهنتهم، عبر ترك عملهم، على أنه فعل مخزٍ.
وينقل موقع «اليابان اليوم» أن اليابانيين كثيراً ما يلتزمون بوظائفهم حتى إن لم يكونوا سعداء، لأن أي إخطار بالاستقالة يؤدي إلى تعرض الموظفين للتنمر من مديريهم، ما قد يخلق لدى الموظف شعوراً بالخجل والخوف أو الذنب من هذه الخطوة، وعن هذا نجم انتشار شركات تقوم بمهمة تقديم طلبات راغبي الاستقالة بالنيابة عنهم، لأنهم لا يملكون الجرأة الكافية في طلب ذلك من مديريهم مباشرة.
يتنبأ فيلم «Her» المنتج عام 2013 أنه لن يكون بعيداً اليوم الذي يتولى فيه أفراد كتابة رسائل بالنيابة عن الآخرين، تتضمن رغباتهم وطلباتهم لترفع إلى المعنيين، وهي المهنة التي مارسها بطل الفيلم، وبالنسبة لنا بدت هذه النبوءة عودة إلى ماضٍ عرفناه في بلداننا الخليجية، على الأقل، في أزمنة سادت فيها الأمية، حيث امتهن من يطلق على واحدهم وصف «كاتب»، كتابة رسائل متعددة الأغراض لمن يحتاجون إليها، واختفت المهنة وأصحابها من شوارع العواصم، بعد أن توسع التعليم وانحسرت الأمية إلى أدنى الحدود، لكن يبدو أن الأمر، في الزمن الافتراضي الذي بتنا فيه، أعاد ما عرفناه سابقاً، حيث أدت وسائل الاتصال الحديثة إلى المزيد من عزلة البشر عن بعضهم، وغياب التواصل المباشر بينهم، ما يقتضي وجود وسطاء للقيام بالمهمة.
لا نعلم ما إذا كان يصحّ إدراج مهمة الشركات اليابانية المختصة بتقديم طلبات الاستقالة في خانة النبوءة التي تناولها الفيلم المشار إليه، ولكن يتعين الالتفات إلى جانب مهم في الأمر، هو أن مهمة مثل هذه الشركات تعدّ وجهاً من وجوه حماية العاملين من عسف أرباب العمل، لأن المستفيدين من خدمتها هم من عملوا بشركات مستغلّة تستنفد طاقاتهم بصورة مريعة، ومن يخشون البوح لرؤساهم برغبتهم في الاستقالة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n6bkzzv

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"