غافين ماغواير *
ولَّدت كوريا الجنوبية، ولأول مرة، الكهرباء من مفاعلاتها النووية خلال النصف الأول من عام 2024 بكميات أكبر من تلك التي مصدرها الفحم والغاز الطبيعي، وتخطط سيؤول لإضافة أربع محطات نووية أخرى إلى أسطول البلاد من الطاقة بحلول عام 2038.
يمثل التركيز الشديد على الطاقة النووية تحولاً استراتيجياً مهماً من جانب ثالث أكبر مشترٍ للغاز الطبيعي المسال في العالم، ورابع أكبر مستورد للفحم الحراري، ما قد يؤدي إلى انخفاض مشتريات الوقود الأحفوري للطاقة في المستقبل.
ويتناقض تبني كوريا الجنوبية للطاقة النووية مع اتجاهات الطاقة في أوروبا وأمريكا الشمالية، التي تراجعت شركات المرافق العامة فيها عن استخدام الطاقة النووية مؤخراً، وتكافح لتوليد ما يكفي من الطاقة النظيفة من مصادرها المتجددة فقط تلبية الطلب المتزايد.
وفي حال نجحت المرافق في كوريا الجنوبية في سد احتياجات اقتصادها المعتمد على التصنيع من خلال توسيع الإنتاج النووي، قد توفر البلاد نموذجاً قابلاً للتطبيق لتعزيز إمدادات الطاقة النظيفة دون الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة وحدها.
تاريخياً، كان الفحم والغاز الطبيعي المصدرين الرئيسيين للطاقة اللذين يغذيان اقتصاد كوريا الجنوبية، حيث كانت الطاقة الرخيصة والوفيرة مصدراً حيوياً لمصنعي السيارات والمواد الكيميائية والإلكترونيات الحساسة للتكلفة في البلاد.
ووفقاً لمركز أبحاث الطاقة «إمبر»، شكّل الوقود الأحفوري قرابة 68% من الكهرباء المولدة في البلاد بين عامي 2010 و2023 (43% من الفحم، و25% من نصيب الغاز الطبيعي). ومع قلة الأراضي المناسبة للسدود الكهرومائية والمتنزهات الشمسية ومزارع الرياح، كان المصدر الرئيسي الآخر لتوليد الطاقة النظيفة في البلاد هو محطات الطاقة النووية، والتي وفرت نحو 28% من كهربائها لنفس الفترة.
ومنذ عام 2018، قفز توليد الكهرباء من المصادر المتجددة بأكثر من 150%، مدعوماً بمضاعفة إنتاج الطاقة الشمسية بشكل أساسي. ورغم ذلك، ظلت حصة الطاقة المتجددة من إنتاج الكهرباء دون ال 6%، وهي صغيرة جداً من حيث التأثير في تدفقات الطاقة الوطنية.
في غضون ذلك، ولتحقيق أهداف خفض الانبعاثات بنسبة 40% من غازات الاحتباس الحراري من مستويات 2018 بحلول عام 2030، التزمت كوريا الجنوبية بخفض حرق الوقود الأحفوري لتوليد الطاقة والعمليات الصناعية.
ولتجنب أي انخفاض كبير في الإنتاج، حددت السلطات توسعاً كبيراً في توليد الطاقة النظيفة على مدى السنوات ال15 المقبلة، بما في ذلك مضاعفة إنتاج الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بحلول عام 2030.
لكن يبقى الأسطول النووي الركيزة الأساسية لخطط الطاقة المستقبلية في كوريا الجنوبية، والذي من المقرر أن ينمو من 26 إلى 30 مفاعلاً بحلول عام 2038. وبالإضافة إلى نحو 4.4 غيغاوات من القدرة النووية الجديدة للمفاعلات الكبيرة، هناك خطط لتشييد أول مفاعل صغير في البلاد، بسعة 0.7 غيغاوات.
تأتي هذه الزيادات المخطط لها بالتزامن مع موافقة الحكومة على بناء مفاعلين نوويين جديدين «شين-هان أول» 3 و4 في أولجين على الساحل الشرقي لكوريا الجنوبية. وهي الموافقة الأولى من نوعها منذ عام 2016، عندما أعطت السلطات الضوء الأخضر لبناء مفاعلي «سيه أول» 3 و4 في أولسان.
ستساعد المحطتان الجديدتان بالتأكيد في دفع إجمالي إنتاج الكهرباء بالطاقة النووية في البلاد إلى مستوى قياسي. وستعملان بالماء المضغوط بقوة 1400 ميغاوات، على غرار أربعة مفاعلات أخرى نشطة حالياً.
وقالت لجنة السلامة والأمن النوويين إنها تأكدت من سلامة المفاعلين الجديدين بناءً على مراجعات لمشاريع سابقة، وفحص الاختلافات في التصميم، وخاصة أحدث المعايير الفنية المطبقة على الوحدتين الجديدتين.
وبالتوازي مع المجد الذي يعيشه قطاع الطاقة النووية في كوريا الجنوبية محلياً، لا بد من التطرق إلى نجاح الشركات العاملة ذات الصلة دولياً. حيث فازت «شركة كوريا للطاقة الكهرومائية والنووية» بعقد من الحكومة التشيكية هذا العام لبناء مفاعلين جديدين. متفوقة على شركة «إي دي إف» الفرنسية. في أول تحد رسمي خارجي لكوريا الجنوبية منذ عام 2009 لإثبات قدرتها على بناء مفاعل كبير، ما قد يساعد بقية الشركات المحلية على ترسيخ نفسها رائدة عالمياً في القطاع النووي السلمي.
كما ساهمت شركة كوريا للطاقة الكهرومائية والنووية في الإنجاز اللافت لمشروع براكة، أول محطة نووية في الإمارات، بسعة 5600 ميغاوات، والتي أعلن مؤخراً عن بدء العمليات التشغيلية في مفاعلها الرابع.
ونظراً للتقارير التي تتحدث عن تأخيرات طويلة في البناء وتجاوز التكاليف بمليارات الدولارات في مشاريع نووية أخرى، فإن الكثير من مطوري الطاقة سوف يظلون متشككين في إمكانات الطاقة النووية. ولكن إذا تمكنت الشركات الكورية الجنوبية من البناء على نجاحاتها الأخيرة والمساعدة على توجيه مستويات إمدادات الطاقة النظيفة في البلاد إلى الارتفاع بشكل مطرد، فمن المرجح أن تتبدد هذه الشكوك.
* كاتب متخصص في أسواق السلع والطاقة الآسيوية (رويترز)