د. أيمن سمير
وقع في حبها من أول نظرة، يؤمن بأن «كيوبيد الحب» يصنع المعجزات، وأن الحب وحده هو الذي جمعه بزوجته الحالية التي يقول عنها «إنه يفتقدها كل يوم»، لهذا ترك مهنته التي كانت تدر عليه 1.3 مليون دولار سنوياً ليكون بجوارها منذ يناير 2020 عندما اختارها الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن لتكون نائبة له على بطاقة الانتخابات عام 2020، وهنا أصبحت زوجته و«حب حياته».. هي أول نائبة للرئيس من أصول سوداء وآسيوية.
قصة الحب هذه لم تبدأ في الحفلات الاجتماعية أو في النوادي، لكنها بدأت في المحاكم حيث يعمل هو كمحامٍ شهير لدى شركات الترفيه والعاملين في صناعات السينما والإعلام والملكية الفكرية، بينما كانت تعمل زوجته مدعياً عاماً في الولاية الأكثر سكاناً في الولايات المتحدة، لهذا أصر هو وزوجته على أن يكون عقد الزواج في محكمة سانتا بربارا، لكن يعود الفضل للمخرج الأمريكي ريجينالد هودلين، الذي كان صديقاً مشتركاً، في إعداد اللقاء الأول مع كامالا هاريس، وكان ذلك عام 2013، ثم أرسل رسالة نصيه لكامالا لتحديد اللقاء الأول بمفردهما، وخلال عام واحد كان قد تزوجها في أغسطس عام 2014، وكانت هذه هي الزيجة الثانية له بعد زواجه الأول الذي أنجب منه طفلين، بينما كان هذا الزواج الأول لهاريس التي لم تنجب أطفالاً طوال حياتها، لكنها شاركت بحب كبير في تربيه أطفال زوجها.
نتحدث عن دوغلاس دوغ إيمهوف، زوج كامالا هاريس، المرشحة لمنصب الرئاسة الأمريكية في 5 نوفمبر القادم أمام المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وفي حال فوز هاريس سيكون دوغ إيمهوف (59 عاماً) ليس فقط «الرجل الأول» في البيت الأبيض لأول سيدة تصبح رئيسة، بل سيكون أول يهودي يسكن في البيت الأبيض.
عملياً أصبح دوغ الرجل الثالث في تاريخ الولايات المتحدة الذي يكون زوجاً لمرشحة لمنصب نائب الرئيس من حزبي الأغلبية، بعد جون زاكارو، زوج جيرالدين فيرارو، وتود بالين، زوج سارة بالين، ويحسب لدوغ أنه استطاع أن يتكيف بسرعة مع الحياة الجديدة لزوجته التي لم تفكر في دخول معترك السياسة على المستوى الوطني إلا عندما انسحبت السيناتورة من الترشح لمنصب مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا عام 2018، وهنا جاءت الفرصة لهاريس لتنتقل من عمل المدعي العام لتصبح عضوة في مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا التي لها أكبر عدد من الأصوات في المجمع الانتخابي ب59 صوتاً، ونجح دوغ بشكل كبير في تحقيق «التوازن» بين دوره كزوج وأب لطفلين، ودوره الجديد كداعم ومساند لزوجته في مسارها السياسي حتى وصلت إلى ما لم تصل إليه أي امرأة أخرى في التاريخ الأمريكي بعد أن أصبحت أول نائبة للرئيس، وأول سيدة من أصول سوداء وآسيوية تصل إلى هذا المنصب الرفيع في دولة تشكل أكبر اقتصاد في العالم بنحو 27 تريليون دولار، ولديها أقوى جيش على وجه الكوكب ينفق أكثر من 886 مليار دولار على التسليح سنوياً، فمن هو دوغ ايمهوف، زوج كامالا هاريس؟، وما هي الأدوار السياسية التي يقوم بها في الوقت الحالي، وماذا عن الدور الذي ينتظره حال أصبحت زوجته أول رئيسة في التاريخ الأمريكي؟.
صناعة الأحذية وتصنيع المستقبل
رغم أن والد دوغ إيمهوف كان من الفئة المتوسطة، ويعمل في مجال تصنيع الأحذية للنساء، إلا أنه أصر على تربية ابنه تربية الطبقات الغنية في المجتمعات اليهودية عبر إدخال ابنه إيمهوف للجامعة بعد أن نشأ دوغلاس في بروكلين بولاية نيويورك، قبل أن تنتقل العائلة إلى نيو جيرسي ومنها إلى لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا، وهي الولاية التي لمع فيها نجم إيمهوف في مجال المحاماة بعد أن أنهى دراسته في كلية الحقوق بجامعة جنوب كاليفورنيا، وأصبح جديراً بالزواج من كامالا هاريس عندما بات من المحامين الذين يربحون سنوياً أكثر من مليون دولار، وأصبح له علاقات قوية بالمجموعات القوية وصانعة القرار في ولاية كاليفورنيا.
وراء كل امرأة رجل عظيم
يقول المثل الفرنسي الشهير «وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة»، لكن من يدقق في علاقة كامالا هاريس ودوغ إيمهوف منذ 2013 وحتى اليوم يتأكد أن وراء كل امرأة ناجحة وعظيمة رجل عظيم يقف معها ويدعمها، وهذا يتطابق تماماً مع كل الدعم والمساندة التي قدمها دوغ لزوجته هاريس على مدار عقد كامل من الزواج، رغم أنه عندما تعرف عليها عام 2013 كانت الحياة هادئة، وجدول العمل اليومي والإجازات السنوية معروفة، لكن عندما بدأت تظهر على المستوى السياسي الوطني بدأ يغير حياته بالكامل من أجلها ومن أجل دعمها، ولهذا قال في إبريل الماضي: «التقينا، عندما كانت مدعية عامة شعرت أنها في يوم من الأيام يمكن أن تنافس على منصب حاكم كاليفورنيا، لكن التغير الكبير حدث عندما قررت السيناتورة باربرا بوكسر عدم الترشح لمجلس الشيوخ تغير كل شيىء وأصبحت الساحة مفتوحه أمام كامالا للمنافسة على المستوى الوطني وتصبح عضوة عن كاليفورنيا في مجلس الشيوخ وهو ما تحقق بالفعل».
وهنا تحول دوغ الى ما أسماه هو شخصياً «الزوج السياسي»، وهو لا يدعم كامالا هاريس فقط بل يحافظ على علاقة طيبة مع كريستين ماكين، زوجته الأولى وأمّ طفليه والتي ظلت معه ل 16 عاماً كاملة، كما يقوم بتربية أبنائه كول وإيل أفضل تربية، لذلك عندما دخلت كامالا هاريس مجال السياسية جرى بينهما نقاش شفاف حول ما يمكن أن يقوم به، والتحديات التي يمكن أن يواجهها، وكشف دوغ هذه التفاصيل في «كتاب المرأة الأمريكية» التي نشرته محررة شؤون المرأة في نيويورك تايمز كاثيروجر عندما قال:«أجرينا أنا ونائبة الرئيس الكثير من المحادثات حول كيفية الحفاظ على زواج طبيعي في هذه البيئة التي أبتعد فيها عن شراكتي، لدعمها بشكل علني».
يهودية إيمهوف
تشتكي حملة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس بأن هناك من يستهدفها في شخص زوجها دوغ وذلك عبر نشر مواد دعائية بأنه يهودي وسوف يسهم في كسب المزيد من الدعم لإسرائيل على حساب الفلسطينيين، ورغم نفي حملة هاريس لهذه المزاعم، إلا أن انتشار هذه المواد على وسائل التواصل الاجتماعي في ولايات بها عدد كبير من العرب والمسلمين مثل ولاية ميتشجان تؤكد أن هناك بعض القلق من جانب بعض الأمريكيين من وجود زوج الرئيسة «اليهودي» في البيت الأبيض، وأعادت ديانة دوغ الجدل لدى بعض تيارات الحزب الديمقراطي التي رأت أن الحزب استبعد السيناتور بيرني ساندرز من الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي عام 2016 لصالح المرشحة هيلاري كلينتون لأن بيرني ساندرز يهودي، رغم أن ساندرز هو أكثر أعضاء مجلس الشيوخ الداعمين لحل الدولتين وأكثر المدافعين عن القضية الفلسطينية.
وفق كثير من الشهادات ووسائل الإعلام الأمريكية ومنها «المجلة اليهودية» فإن الديانة اليهودية شكلت «وعي دوغ»، لكنه هو شخصياً أصبح الآن «أقل التزاماً»، ويوصف دوغ في المجتمعات اليهودية بأنه «الرجل المحترم»، وبعد تولي كامالا هاريس منصب نائبة الرئيس قام دوغ بقيادة سلسلة من الجهود ضد «العداء للسامية»، خاصة بعد أكتوبر 2023، وندد بكل المنشورات والخطوات التي يراها تبرر العداء للسامية، ويستخدم دوغ في هذه خلفيته القانونية باعتباره حاصلاً على الدكتوراه في القانون من جامعة جنوب كاليفورنيا وكان يحاضر في جامعة جورج تاون بعد أن أصبحت زوجته نائبة للرئيس.
محفظة سياسية
وعودة على المثل الفرنسي القائل «وراء كل رجل عظيم امرأة»، فانه بالنسبة لكامالا هاريس يبدو أن العكس هو الصحيح، فزوجها دوغ إمهوف هو داعمها الأول، وهو من يشجعها ويقف بجانبها في مسيرتها الصعبة والطويلة نحو البيت الأبيض، واعترف دوغ أن الانتقال من عالم الأعمال إلى عالم السياسة لم يكن بالأمر السهل. لكنه تأقلم مع الوقت وأصبح يلعب دوراً مهماً في حياة زوجته، ونظراً للتأثير الكبير للحياة العائلية الأمريكية على «الصورة الذهنية» عن المرشح للمنصب العام في الولايات المتحدة الأمريكية، حرص الديمقراطيون على توضيح سلسلة من الحقائق حول علاقة دوغ بزوجته كامالا هاريس وعلاقة هاريس بعائلة دوغ.
ونشرت الحملة سلسلة من المنشورات تؤكد فيها كريستين زوجة دوغ السابقة احترامها له وأنه «أب عظيم لأطفاله»، كما أكدت كريستين حبها واحترامها لكامالا هاريس وأنها تدعمها لتكون رئيسة للولايات المتحدة، وهو ما دفع هاريس نفسها لتقول عن كريستين زوج دوغ أنها «أم رائعة» وأنها تحتفظ بعلاقة ممتازة معها، وعندما حاول الجمهوريون تشويه صورة دوغ بأنه أقام علاقة خارج الزواج مع معلمة أولاده بعد زواجه من هاريس كان هناك رد قوي من حملة هاريس التي قالت إن دوغ اعترف بهذا الخطأ، لكنه كان قبل الزواج من هاريس وأن كامالا كانت تعلم هذه الحقيقة، وهو ما أغلق باب هذه القضية بسرعة.
العائلة المختلطة
يلعب دوغ ايمهوف دوراً بارزاً في الحملة الانتخابية لزوجته كامالا هاريس، فهو أحد الأعضاء البارزين في الفريق الانتقالي، ويسافر مع كامالا في جميع جولاتها الانتخابية، وألقى كلمة قوية في المؤتمر العام للحزب الديمقراطي في شهر أغسطس الماضي، وهو المؤتمر الذي أعلن ترشيح كامالا رسمياً عن الحزب الديمقراطي، وأمام العالم قال لها وسط تصفيق حار:«أنا فخور بالطريقة التي تناضلين بها من أجلنا كلنا.. أنا أحبك»، وردت هي عليه «أحبك يا دوغ»، وهو ما ترك انطباعاً بنجاح العائلة المختلطة في الولايات المتحدة، لأن كامالا المسيحية تعيش سعيدة مع زوج يهودي، وأنها ذات الأصول الآسيوية تتزوج رجلاً أبيض من أصول بولندية، وكامالا هاريس التي لم تنجب أطفالاً ها هي تشارك في تربية أبناء زوجها، وهو رد قوي من وجهة نظر الديمقراطيين على اتهامات جي دي فانس المرشح لمنصب نائب الرئيس مع دونالد ترامب الذي اتهم كامالا هاريس بأنها لا تعرف معاناة العائلة الأمريكية لأنها لم تنجب أطفالاً طوال حياتها.
طريق جيل بايدن
ونظراً للقبول الكبير الذي يحظى به دوغ على وسائل التواصل الاجتماعي فإنه كثيراً ما يردّ على انتقادات دونالد ترامب لزوجته، ورغم أن دوغ يشترك مع ترامب في شغفه الشديد برياضة الجولف، إلا أنه يرد بسرعة على جميع منشورات ترامب بحق زوجته، وهو ما أسهم في عدم تضخيم اتهامات الجمهوريين لكامالا هاريس وزوجها دوغ ايمهوف.
ولا يمكن لإيمهوف العودة مرة أخرى إلى مجال المحاماة وشركته الخاصة حال فوز زوجته بمنصب الرئاسة الأمريكية، نظراً لأنه في تلك الحالة سوف يتهم بتضارب المصالح، ولهذا نقل المقربون منه أنه ينوي مواصلة العمل بأجر كامل في كلية الحقوق بجامعة جورج تاون، وذلك سوف يكون محاكاة للدور الذي تقوم به جيل بايدن، زوجة الرئيس الحالي جو بايدن، التي أصبحت أول زوجة رئيس أمريكي تعمل من أجل الحصول على الأجر في مجال التربية بالجامعة الأمريكية، لكن هناك من يقول إن قوة وحيوية دوغ، الذي سيكون عمره 60 عاماً فقط في يناير القادم، قد تدفع كامالا لتكليفه ببعض المهام الرسمية على غرار الجولات التي قامت بها جيل بايدن في أمريكا اللاتينية من أجل الحد من الهجرة غير الشرعية وغيرها.
[email protected]
