نحو فلسفة للتخلف

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

قال القلم: ما هذا الاستلاب بتقليد سيمون دو بوفوار في كتابها: «نحو أخلاق للغموض»؟ قلت: ما أودّ طرحه لا علاقة له بالأخلاق، لكنه في صميم الغموض، ولكونه مجرّداً من الأخلاق، فلا بدّ من فلسفة تكشف المحجوب. لقد خامرني عنوان آخر، غير أنه لم يتخمّر جيّداً في ذهني، هو: «تأملات في عشق التخلف»، لولا أنه لاذع. بالمناسبة: مسمّى العالم العربي هو الخطوة الأولى على طريق الألف ميل، من التقسيم على المقامات اللاتينية، الأنجلوساكسونية ومشتقاتها.
يغرونك بأن «العالم العربي» أفخم من الأمّة العربية، فتتخلى عن كلمة أمّة. الغرب هو الذي أطلق الاسم، فمن باب التسليم للقوي بتفوقه الفكري، تستغني عن الأمّة، وتتقمص دور العالم. ها أنت وقعت في الفخ، وأمسيت مجموعة قطع متجاورة بمصادفة التاريخ. كذلك الحال في متجاورات أكبر في العالم الإسلامي. هل من أواصر عملية حيوية فاعلة بين موريتانيا وطاجيكستان وأندونيسيا؟ آفة الاستطراد أوصلتنا إلى الغفلة عن مخططات الاستفراد، وإلاّ فموضوعنا هو البحث عن فلسفة للتخلف، الذي وقعت في كمّاشته أكثرية بلدان الأمّة العربية.
هل من دون فلسفة أو نظرية فكرية أو منظومة قيم، أو مذهب أدبي أو مدرسة فنّيّة أو تيّار فنتازيّ أو موجة بوهيمية، أو هيام مجنون ليليّ، روميو جولييتيّ، هامت قلوب جل البلاد العربية بدار لقمان في بقائها على حالها، بعودة حليمة إلى عاداتها القديمة، باستئناس الأمّية، بإيلاف اجتناب الفلسفة والعلوم والفن الجادّ؟ طبقاً لإحصائية عباس محمود العقاد: في القرآن الكريم سبعمئة وخمسون آيةً تحث على العلم والعقل والتدبر والتفكر (يتفكرون، يعقلون، ينظرون...)، بينما لا نعرف سرّ عدم ظهور أيّ فيلسوف بعد ابن رشد. تكرّم بذكر علماء الرياضيات اليوم في أربعمئة مليون عربي، في الفيزياء، الأحياء. ما كل هذا الافتتان بالتنمية المتعثرة؟
قال: مهلاً، فكل ما هنالك هو حدوث خبط وخلط في العهود التي هامت فيها الأمّة بالتصوف. أسرف الناس في إساءة فهم الزهد. صاروا كحاطب ليل، وضعوا كل شيء في كيس الزهد، فزهدوا في الفلسفة والعلوم والتعليم والتنمية، فزلّت بهم القدم إلى الزهد في السيادة والذود عن حمى الأوطان والدفاع المشترك. الأمة اليوم واقعة في الشرك. ديار العرب تزدهر فيها السياحة السياسية، تغصّ بالخواجات لحل القضايا العربية، والعرب كما تفضلت كوكب الشرق: «غايبين عن الوجدان»، أو: «إنّا هاهنا قاعدون».
لزوم ما يلزم: النتيجة الفلسفية: انعدام الفلسفة دليل على وجود فلسفة، مثلما هو إدراك العدم دليل على الوجود.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4nfndyjj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"