إعداد: فوّاز الشعّار
لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
في رحاب أمّ اللغات
من بدائع التورية، وهي أَنْ يَذْكُرَ المتكلِّمُ لَفْظاً له معنيان، قَريبٌ ظاهِر غَيْرُ مُرادٍ، وبَعيدٌ خَفيٌّ هُوَ المُراد؛ منها قول نَصِير الدّين الحمّامي:
أبْياتُ شِعْرك كالقُصـ
ـــــور ولا قُصُورَ بها يَعوقْ
ومنَ العجَائبِ لَفْظُها
حُرٌّ ومَعْناها «رَقيقْ»
«رقيق» لها معنيان: الأول قريب وهو «العبد»، فقد
سبقته كلمة «حُرّ»، والثاني بعيد: وهو اللطيف.
وقول الشَّابّ الظريف:
تَبَسَّمَ ثغْرُ البانِ عَنْ طِيبِ نَشْرِهِ
وأَقْبَلَ في حُسْنٍ يَجِلُّ عن الوَصْفِ
هَلُمُّوا إِليه بَينَ قَصْفٍ ولَذَّةٍ
فإِنَّ غصونَ الزَّهْر تَصْلُحُ «للقَصْفِ»
«القَصْفِ» معناها القريب الكسْر، وهو غير مراد ومعناها البعيد المــراد: اللّعب واللهو.
دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر
عيون المها
عليُّ بنُ الجَهْم
(من الطويل)
عُـيونُ الـمَها بَيْنَ الرُّصافةِ والجِسْرِ
جَلَبْنَ الهوى مِنْ حَيْثُ أدْري ولا أدْري
خَـليليَّ مـا أَحْـلى الـهَوى وأمَـرَّهُ
وأعْلَمَني بالحُلْوِ مِنْهُ وبالمُرِّ
كَـفى بـالهَوى شُغلاً وبالشَّيْبِ زاجِراً
لَـوَ انّ الـهوى مِـمّا يُنَهْنَهُ بالزَّجْرِ
وما أَنْسَ مِلْ أَشياءِ لا أَنْس قَوْلَها
لِجارَتِها: ما أَوْلَعَ الحُبَّ بِالحُرِّ
فَقالَتْ لَها الأُخْرى: فَما لِصَديقِنا
مُعَنّى وهَلْ في قَتْلِهِ لَكِ مِن عُذْرِ؟
عِديهِ لَعَلَّ الوَصْلَ يُحييهِ واعْلَمي
بِأَنَّ أَسيرَ الحُبِّ في أَعْظَمِ الأَمْرِ
فَقالَتْ أداري النّاسَ عَنهُ وقَلَّما
يَطيبُ الهَوى إِلّا لِمُنهَتِكِ السِّتْرِ
وأَيقَنَتا أَنْ قَد سَمِعتُ فَقالَتا:
مَنِ الطارِقُ المُصْغي إِلَينا وما نَدْري؟
فَقُلتُ: فَتىً إِنْ شِئتُما كَتَمَ الهَوى
وإِلّا فَخَلّاعُ الأَعِنَّةِ والعُذْرِ
عَلى أَنَّهُ يَشكو ظَلوماً وبُخلَها
عَلَيهِ بِتَسليمِ البَشاشَةِ والبِشرِ
من أسرار العربية
في معاني بعضِ أسْماءِ العلَم: إياد: الجَبلُ الحَصينُ، أو المَعْقِلُ، أو الكَنَفُ، أو السَّتْر؛ وإيادُ كُلِّ شَيءٍ ما يُقَوّى به من جانِبَيْه، وهما إياداهُ. وكلُّ شَيءٍ كان واقياً لِشيْءٍ فهو إيادُهُ.
هَيْثمُ: الصَّقْرُ، وقيل: فَرْخُ النَّسْرِ، وفَرْخُ العُقاب. وهَثَمَ الشَّيءَ يَهْثِمُهُ: دَقَّهُ حتّى انْسَحَقَ. وهَثَمَ لهُ مِنْ مالِهِ؛ كما تقولُ قَثَمَ: أي أكْثرَ العَطاءَ.
أُسامةُ: منْ أسماء الأسَد. مازنٌ. المازنُ: بَيْضُ النَّمْل. ومَزَنَ مَزْناً ومُزوناً: مَضَى لوَجْهِه، وذَهَبَ. حارثٌ. الحارثُ: الكاسبُ لِلْمالِ والجامعُ له، وأبو الحارث: كُنيةُ الأسد. وجاء في شعرٍ للنّابغة:
بَكى حارِثُ الجَوْلانِ من فَقْدِ ربّه
وحَوْرانُ منهُ موحشٌ مُتضائلُ
فالحارثُ هنا: قُلّةٌ مِنْ قُللِ الجَوْلان.
هفوة وتصويب
كُثُرٌ يقولونَ: «تَعوّدَ فلانٌ على المشيِ واعْتادَ عَلَيْه»؛ وهي خَطأٌ؛ فَفِعْلا «اعْتادَ وتَعوّدَ»، لا يتعدّيان بحَرفِ الجرِّ «على»، وإنّما يتعدّيان بلا حَرْفٍ، والصّوابُ: تَعَوَّدَ المَشْيَ، وعادَهُ وعاوَدَهُ مُعاوَدَةً وعِواداً واعتادَهُ واسْتَعادهُ وأَعادَهُ: أَي صار عادَةً له؛ وأَنشدَ ابنُ الأَعرابي:
لَمْ تَزَلْ تِلْكَ عادَةَ اللهِ عِنْدي
والفَتى آلِفٌ لِما يَسْتَعِيدُ
وقال جرير:
تَعَوَّدْ صالِحَ الأَخْلاقِ، إِنّي
رأَيتُ المَرْءَ يَأْلَفُ ما اسْتَعادا
والمُعاوِدُ: المُواظِبُ، ويُقالُ للرَّجُل المواظبِ على أَمْرٍ: مُعاوِدٌ.
من حكم العرب
أتطلبُ من أخٍ خُلقاً جَليلاً
وخَلْقُ النّاسِ مِنْ ماءٍ مَهينِ
فَسامِحْ إِنْ تكَدَّرَ وُدُّ خِلٍّ
فإِنَّ المرءَ من ماءِ وطينِ
البيتان لصفيّ الدين الحلّي، يقول فيهما إن النظر إلى الأمور بواقعية، ضرورة لعيش مريح، فليس جميع الناس متشابهين، ويجب مسامحة المخطئ، لتستمر الحياة سلسةً.