معلوماتية الرواية

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

يدور سجال حول العلاقة الملتبسة بين التاريخ والرواية، حين تنصرف الأخيرة إلى تناول فترات تاريخية تقدّمها بشكل سرديّ أدبي، حيث يُطرح السؤال: أين هي الرواية هنا طالما كانت ستعيد سرد وقائع تاريخية أتى عليها المؤرخون، وربما يعلم بأمرها القراء؟
ربما لا يصحّ طرح الموضوع بهذا التبسيط أو القطعية، فليس كل روائي تناول وقائع، أو حتى شخصيات تاريخية انزلق إلى التأريخ وبعد عن الأدب، فما أكثر الروائيين الذي أعادوا بناء الحدث التاريخي، بشخوصه وتفاصيله، برؤية جديدة يكون للتخيّل دور كبير فيها، ويبلغ الأمر حدّ الإتيان بتفاصيل وشخوص لم يكن لها وجود في السردية التاريخية الأصلية. هذا لا ينفي، بطبيعة الحال، أن بعض من كتبوا الرواية التاريخية انزلقوا إلى المحذور الذي عنه يجري الحديث، فتحوّلوا إلى مؤرخين وكفّوا عن أن يكونوا روائيين.
سجال مشابه عرفته ساحة النقد الأدبي حول ما يدعى المعلوماتية في الرواية، وليس المقصود ما بات يأتي على بالنا ما إن نسمع أو نقرأ كلمة المعلوماتية، التي باتت قرينة وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما القصد هو كمّ المعلومات التي يُدخلها الكاتب في روايته، تلك المعلومات المنقولة عن مصادر علمية أو توثيقية، فتغطى هذه المعلومات على المتن السردي، ما يطرح السؤال عن مدى «روائية» الرواية المعنية إذا غلب عليها الطابع التوثيقي أو المعلوماتي، فيما لا يرى آخرون في هذا مأخذاً، فما الذي يعيب الروائي لو أنه نقل بالتفصيل وصفات طبخة من الطبخات، بمكوّناتها وطريقتي تحضيرها وتقديمها مثلاً؟ وهو أمر فعله كتّاب كبار دون أن ينال من أدبيتهم، وإنما بالعكس أضفى عليها متعة وجاذبية.
أحد من وجهت هذه الملاحظة على رواياتهم، الروائي المصري صنع الله إبراهيم، وفي حوار جمع صنع الله مع أسامة الرحيمي، طرح الأخير عليه هذه الملاحظة، خاصة حول روايته «أمريكانلي»، مستفسراً منه ما إذا كان دأبه على استخدام المعلوماتية آتياً من تأثره بالرواية الغربية، وهو ما رفضه صنع الله كلية. برأيه، ليس في الغرب اتجاه يستخدم المعلوماتية في الرواية، مستدركاً بالقول: «أي رواية في العالم لا بد أن تجد فيها معلومات، ففي رواية عن الأنف، فصول طويلة عن حاسة الشم وروائح الخشب، وثلاثية نجيب محفوظ مملوءة بالمعلومات عن الحياة والتاريخ».
في تقدير صنع الله، أن الرواية لم تعد فناً قائماً بذاته، بل أصبحت قادرة على استيعاب فنون أخرى، وهناك دائماً إمكانية لاستخدام أشكال مختلفة، وإذا كان القارئ مهتماً بالسينما والمسرح والجريدة اليومية، فإنه إذا قرأ رواية لا بد أن يجد فيها جوانب من كل هذه الأشياء، ولم يعد ممكناً كتابة عمل فني لا علاقة له بما يجري في العالم.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mpmrx48u

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"