محمد خليفة *
تركت الحرب الدائرة في قطاع غزة آثاراً سلبية كثيرة في قطاع واسع من أبناء الشعب الفلسطيني، خاصة في غزة، حيث قتل أكثر من أربعين ألف شخص، بينهم الآلاف من النساء والأطفال، وجرح عشرات الآلاف، إضافة إلى تدمير البنى التحتية والمساكن والبيوت، وتهجير الفلسطينيين من بلداتهم ومخيماتهم، غير أن المعطى الأكثر خطورة الذي أفرزته تلك الحرب يتمثل في ظهور العديد من الأمراض بين أطفال القطاع، خاصة مرض شلل الأطفال.
لقد أكدت منظمة الصحة العالمية في شهر أغسطس/آب الماضي، إصابة طفل واحد على الأقل في غزة بالشلل؛ بسبب فيروس شلل الأطفال من النوع الثاني، وهي أول إصابة من نوعها في القطاع منذ خمسة وعشرين عاماً، ويعد شلل الأطفال مرضاً شديد العدوى يسببه فيروس يهاجم الجهاز العصبي ويتسبب في الإصابة بالشلل.
ودفع ظهور هذا المرض الخطر في غزة، إلى تسريع إطلاق حملة تطعيم واسعة للأطفال هناك، بداية من الأول من شهر سبتمبر الجاري، وكعادتها، لم تقف دولة الإمارات العربية المتحدة، مكتوفة الأيدي جراء انتشار هذا المرض، حيث وجّه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بتقديم خمسة ملايين دولار أمريكي لدعم حملة التطعيم الطارئة ضد شلل الأطفال في غزة، وذلك ضمن الجهود المتواصلة التي تقوم بها دولة الإمارات في تقديم الإغاثة للشعب الفلسطيني الشقيق، خاصة الأطفال؛ استجابة للأوضاع الإنسانية الصعبة التي يمرون بها، وسوف توفر الحملة، التي تنفذ بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية و«اليونيسف» ووكالة «الأونروا»، جرعتين من لقاح شلل الأطفال لأكثر من 640 ألف طفل من غزة دون سن 10 سنوات، لوقف انتشار الفيروس ومنع تفشي المرض في القطاع، وتم الوصول إلى هذا الرقم بعد ثمانية أيام من انطلاق الحملة الطارئة.
وإضافة إلى ذلك، تواصل دولة الإمارات الجهود الإنسانية لمساندة الأشقاء في غزة بوسائل دعم مختلفة؛ حيث قدمت أكثر من 40,000 طن من الإمدادات العاجلة، بما في ذلك المواد الغذائية والطبية ومواد الإيواء، وقد أقامت دولة الإمارات العربية المتحدة مستشفى ميدانياً في جنوب غزة، إلى جانب مستشفى عائم في ميناء العريش في مصر، وقدمت الرعاية الطبية لأكثر من 27,000 جريح فلسطيني، كما وجه سموه بعلاج ألف طفل فلسطيني مصاب، وألف مريض بالسرطان في مستشفيات الدولة.
والأسبوع الماضي، نفّذت دولة الإمارات، بالشراكة مع منظمة الصحة العالمية، مبادرة إنسانية طارئة لإجلاء 97 مصاباً ومريضاً في حالة حرجة من قطاع غزة، من ضمنهم مرضى سرطان بحاجة إلى علاج مكثف، برفقة 155 من أفراد عائلاتهم؛ إذ يوجد من ضمن المرضى والمرافقين 142 طفلاً، تم نقلهم إلى أبوظبي لتلقي الرعاية الطبية الفائقة.
وفي إطار سعي دولة الإمارات لضمان الأمن المائي والغذائي لسكان القطاع، أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة، في إطار مبادرة «الفارس الشهم 3»، التي أمر بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لدعم الأشقاء الفلسطينيين، 6 محطات لتحلية المياه في مدينة رفح المصرية بطاقة إجمالية تبلغ مليوناً وستمئة ألف جالون يومياً، يستفيد منها أكثر من 600 ألف نسمة من سكان غزة بإجمالي 130 مليون جالون حتى الآن.
وبلغ إجمالي المساعدات الإماراتية المقدمة إلى الشعب الفلسطيني الشقيق، وفق إحصائيات نشرت في مطلع شهر مارس/آذار الماضي، 170 طائرة شحن، وسفينتي شحن، و490 شاحنة برية، كما بلغ عدد الحالات التي استقبلها المستشفى الميداني داخل قطاع غزة 6910 حالات، إضافة إلى استقبال حالات أخرى كثيرة في المستشفى العائم في مدينة العريش المصرية، كما تنتج خمسة مخابز أوتوماتيكية افتتحتها دولة الإمارات نحو 15000 رغيف خبز في كل ساعة.
إن هذه المساعدات هي استمرار لسيل المساعدات التي لم تفتأ دولة الإمارات العربية المتحدة في تقديمها للشعب الفلسطيني، فقد ذكرت وكالة «الأونروا» أن دولة الإمارات العربية المتحدة أعلنت دعمها لاستجابة «الأونروا» الإنسانية في قطاع غزة بتبرع جديد بقيمة 20 مليون دولار. ويأتي هذا التعهد إضافة إلى تعهد سابق من الإمارات في يونيو/حزيران من العام نفسه بمبلغ 20 مليون دولار، وتبرع آخر في يوليو/تموز بمبلغ 15 مليون دولار، مخصصة لإعادة إعمار مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية المحتلة.
لا شك أن التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بتقديم الدعم للشعب الفلسطيني هو التزام نابع من الوجدان الإماراتي العامر بمشاعر الحب والود لهذا الشعب الشقيق، ومنذ اندلاع الأزمة في القطاع تقود دولة الإمارات جهوداً استثنائية في المحافل الدولية كافة؛ لدعم الأشقاء الفلسطينيين، ورفع المعاناة عنهم بالتعاون مع مختلف الأطراف المعنية.
وتتسق الجهود الإماراتية مع الثوابت التاريخية في سياستها الخارجية المتمثلة في التزامها بتعزيز السلام والعدالة، وصون حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق، وقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية والاتفاقيات ذات الصلة القاضية بإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كما تسعى دولة الإمارات عبر اتصالاتها على الصعيدين الإقليمي والدولي إلى تحقيق وقف مستدام لإطلاق النار في قطاع غزة، وبما يسهم في حماية أرواح المدنيين كافة، وتوفير الإغاثة الإنسانية العاجلة لهم.
* كاتب من الإمارات
[email protected]
https://tinyurl.com/5ddxe7zn