هل دغدغ الدماغَ «استحضار أرواح الحضارات»، فشهَرَ الطموحُ سيفَ الإرادة، أم أن حسام عزمك قاطعٌ في غمده؟ كان على الموضوع أن يمدّ رجله على قدر الكساء، لولا أن القضية لها أبعاد يأبى التحليل النفسي الاجتماعي السياسي، إغفالَها وتجاوزَها إلى ما هو دونها في الأهمية. هل في ظنك شأن يفوق في الهمّ الوجودي تأزّم هويّة أمّة؟ لا يجرؤنّ أحدٌ على التفوه بأن التأزيم لا يخلو من التقزيم.
كما لم يقل المثل: «السيّئ بالسيّئ يُذكر»، فالتغنّي النشازُ بالأمجاد العريقة التي صنعتها طبقات الحضارات المتراكبة المتعاقبة في ماضينا، يكشف لنا الهوة الهاوية التي تفصل المناهج العربية عن نظام التعليم الذي هو الفردوس المفقود عربيّاً. ما الذي ننتظره من تعددية تعليمية، إن وصفتها بغير التفتيتية، فالفهم ذنبه على جنبه. إكرام المناهج احتضانُها في حضانة تحفظ فيها: «تأبى العِصيُّ إذا اجتمعن تكسّراً.. وإذا افترقن تكسّرت آحادَا». من غرائب الزمن العربي، أن ما تدرّسه جامعات أوروبية مرموقة، من بينها «كوليج دو فرانس»، عن الحضارات التي سادت ثم بادت، على ما هو اليوم الخريطة العربية، لا يمكن مقارنته بالموجود في البلاد العربية. تلك حضارات يبلغ مجموع عهودها ثلاثين ألف سنة، بل أكثر. العملية الحسابية بسيطة: مصر، سوريا والعراق، فقط، تتجاوز حضاراتها المئتي قرن بكثير. هل تتكرم مناهج العرب باختزال ثلاثمئة قرن في ساعة أسبوعية، شكر الله أفضالها؟ عندما يسافر القلم في مناهج «كوليج دو فرانس» الخاصة بتاريخ حضاراتنا، وتاريخ القرآن الكريم، والعلوم في الحضارة الإسلامية، يظل فاغراً فاه، بالرغم من أن فم القلم أضأل من سمّ الخياط. نسأل الله أن يكون في الجامعات العربية نظراء للعالم الجزائري في تاريخ الرياضيات والعلوم في الحضارة الإسلامية، أحمد جبّار، فطوبى لطلاب جامعتي لِيل وباريس الجنوبية، الفرنسيتين، فقد استمتعوا بفيض علمه سنين، و«طوبة»لحظ المناهج العربية.
على المؤسسات العربية إدراك أن أنظمة التعليم أمن قومي، وميدان استراتيجي من طراز بنيوي، أيها السادة. محال تكوين شخصية بناتنا وأبنائنا، على قصاصات معلومات، ليس لها عمود فقري متين وقلب خفّاق وذهن متوهج بمنظومة قيم قرونية متراصة، بينما الواقع بلدان مهشمة. المناهج هي الركن الركين، الذي يُشعر النشء الجديد بكرامة وجوده، حتى في الأوضاع القاسية الظالمة. عندها تشمخ هامته وهو يردّد مقولة غاندي: «كم يستطيع أن يدوم نظام جالس على حراب البنادق»؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الكاريكاتورية: ما هو إحساسك حين تتذكر: «إذا بلغ الفطام»؟
[email protected]
https://tinyurl.com/54tvy9ke