تحقيق: جيهان شعيب
وضعت وزارة التربية والتعليم، شرطاً بقصر عضوية مجالس أولياء الأمور في المدارس الحكومية على حملة الشهادات الجامعية من آباء الطلبة والأمهات الراغبات في المشاركة فيها، ما أثار امتعاض الميدان التربوي، حيث اجتمعت آراء كثيرين منه على تعارض ذلك مع ظرفهم التعليمي، من حيث عدم حصولهم على مؤهل أكاديمي، فضلاً عن قولهم بأن معظم أولياء الأمور الجامعيين لديهم وظائف في جهات مختلفة، وبالتالي غير متفرغين لعضوية المجالس، التي دور أعضائها وعضواتها تطوعياً.
ومن جملة أقوالهم، أن الشرط الذي فرضته وزارة التربية بأن تكون العضوية في المجالس للجامعيين، يعني تهميش الأميين من أولياء الأمور، وكذا حملة المؤهلات المتوسطة، ويتسبب ذلك بالتالي في حدوث عنصرية بينهم وبين الأكاديميين منهم، وكذلك تنمُّر بين أطفال هؤلاء وهؤلاء، لاسيما أن الطفل عندما يرى ولي أمره موجوداً في اجتماعات مجالس أولياء الأمور، وفي المناسبات المدرسية المختلفة التي تنظمها، يشعر بالثقة في النفس، والتحفيز، ويسعى لتنمية قدراته، والعكس وارد.
حول هذا الشرط، الذي أدى إلى تفريغ مجالس أولياء الأمور حالياً من الكثيرين غير الجامعيين، بعدما حرموا من المشاركة، قال محمد راشد رشود الحمودي رئيس مجلس أولياء أمور مدينة دبا الحصن التابع لدائرة شؤون الضواحي: بداية نتقدم بالشكر والتقدير إلى وزارة التربية والتعليم لجهودها في سبيل تطوير التعليم، ومواكبته لاستشراف المستقبل.
عدا ذلك فمنذ أيام صدر قرار بشأن تشكيل مجالس أولياء أمور المدارس، وتضمن شرطاً بأن يكون أعضاؤها حملة مؤهلات جامعية، والحقيقة أثار هذا الشرط استغراب معظم أولياء الأمور، الذين يريدون خدمة المدارس، بالانضمام لمجالسها، في حين لا يحملون مؤهلات جامعية، إلا أنهم من الفاعلية، والإيجابية.
والحقيقة أن هذا القرار سيعيق انضمام أولياء الأمور لعضوية المجالس في المدارس، والسؤال هنا كيف أن المجالس البرلمانية في الدولة سواء المجلس الوطني الاتحادي، أو «استشاري» الشارقة، اقتصرا في اشتراطات الترشح لعضوية أي منهما -من الناحية التعليمية-على أن يكون العضو على دراية بالقراءة والكتابة، في حين وزارة التربية تشترط بأن يكون عضو مجالس أولياء الأمور جامعياً؟
وأيضاً، ومن خلال متابعتنا الميدانية للميدان التربوي، على مدار السنوات الماضية، وقفنا على فاعلية أعضاء مجالس أولياء الأمور، وتميزهم الملحوظ، في حين قد لا يكون الواحد منهم حاصلاً على شهادة جامعية، لذا نتمنى من وزارة التربية مراجعة قرارها في ذلك، بل والعدول عنه.
التجارب الحياتية
وقالت نعيمة أحمد الزعابي رئيسة مجلس أولياء الأمور بعدد من مدارس مدينة كلباء، وعضوه فعالة وداعمة وراعية فيها: أنا حاصلة على الشهادة الجامعية، ورئيس مجلس أولياء أمور الطالبات في أكثر من مدرسة، وعضوة في هذا المجال منذ أكثر من عشرين عاماً، وبفضل الله نحن في ظل القيادة الرشيدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، نحظى بالاهتمام بالمرأة الإماراتية، لأنها جزء أساسي من بناء هذا الوطن المعطاء، ونتميز بأننا إلى جانب الأشقاء الرجال نشكل أسرة واحدة، لذا فما سبب اختيار الجامعيات فقط لعضوية مجلس أولياء الأمور، واستثناء الأمهات اللاتي لا يحملن شهادات جامعية؟
وتابعت: قد يكون لهذا القرار أسبابه الإدارية أو التعليمية، لكن من الأهمية إشراك جميع الأمهات في مجالس أولياء الأمور، بغض النظر عن مستواهن التعليمي، حيث دور الأم في تربية وتعليم أبنائها لا يعتمد بالضرورة على الشهادات، بل على التجارب الحياتية، والمشاركة الفاعلة في المجتمع المدرسي، وهي مساهمات لا تقل أهمية عن المؤهلات الأكاديمية، فضلاً عن أن التنوع في الخبرات داخل مجلس أولياء الأمور، من شأنه تعزيز فاعلية المجالس، وإتاحة وجهات نظر متعددة تفيد جميع الطلاب.
وعلاوة على ذلك، فالمشهود أن المجالس البرلمانية على مستوى العالم، لم تقتصر عضويتها على المتعلمين والمثقفين، بل شملت مشاركة جميع فئات المجتمع، وكذا الأمر في الإمارات، حيث لم تنحصر عضوية المجلسين الوطني والاستشاري على المثقفين والمتعلمين، وإنما ومن حيث التعليم، أوجبت شروط العضوية، أن يكون العضو ملمّاً بالقراءة والكتابة فقط، رغم أن العمل البرلماني سياسي، وتشريعي، وتوجيهي، ومع ذلك لم يشترط أن يكون الأعضاء من القانونيين أو المتخصصين في المجال السياسي.
من هنا نرى أن قرار حصر عضوية مجالس أولياء الأمور على الجامعيات فقط، سيتسبب في إحداث فصل بين الفئات النسوية في المجتمع، وهنا مقولة تقول «إذا أردت أن تهدم حضارة اجعل من المرأة أن تخجل بوصفها ربة أسرة»، فيما وإضافة لذلك، فمعظم الكوادر العاملة المتميزة ممن يشغلون مناصب عليا، تأسسوا على أيدي أمهات غير متعلمات.
ومن خلال خبرتي في السنوات الماضية لاحظت أن المرأة غير المتعلمة فاعلة في المدارس مقارنة بغيرها، لاسيما في الإرشاد والنصح، للخبرات المتراكمة لديها في شتى المجالات، علاوة على كونها غير موظفة، ومتفرغة للعمل التطوعي، لذا أتمنى أن يعاد النظر في هذا القرار، بما يتيح مشاركة أوسع للأمهات من مختلف الخلفيات التعليمية.
نسبة وتناسب
ونوّه أحمد الغصيب عضو مجلس إدارة مجلس أولياء الأمور في مدينة دبا الحصن إلى أنه في ظل تطور الحكومات، والقيادات في عصرنا الحاضر، تعتبر الخبرة الوظيفية سلاحاً مهمّاً، وتعد تزكية صاحب الخبرة أسهل من صاحب الشهادة، بكونه معتاداً على أجواء العمل، ولا يحتاج إلى الكثير من التدريب، فضلاً عن امتلاكه مهارات القيادة، وأخرى أفضل، وأقوى في التواصل. وقال: بالنسبة لقصر عضوية مجالس أولياء الأمور في المدارس الحكومية على حملة المؤهلات الجامعية، أرى أن تكون هناك موازنة بين الحاصلين على الشهادة العليا، وأصحاب الخبرة في عضوية مجالس التعليم، حيث إن كثيراً من أصحاب الشهادات لا يمتلكون الخبرة الكافية لمثل تلك العضويات، والعكس بالعكس، من أن للشهادات العلمية العليا وزنها، في حصول صاحبها على كمٍّ معرفي في مجال القيادة الحديثة.
أثر سلبي
وأبدت شيخة أحمد الهنداسي «ولية أمر» اعتراضها على قصر عضوية مجالس أولياء الأمور على أصحاب المؤهلات العلمية، قائلة: رغم أنى حاصلة على مؤهل علمي عالي، إلا أنني لست مع القرار، وذلك لأن معظم الأمهات الحاصلات على درجة البكالوريوس فما فوق موظفات، وبالتالي ليس لديهن الوقت الكافي للتفرغ للمشاركة في أنشطة المجالس.
ومن جانب آخر، فالأمهات ذوات المؤهل العلمي المتوسط، قد تكون حالت بينهن وبين استكمال دراستهن ظروف صعبة، وبالتالي يحاولن جاهدات إثبات دورهن في برامج مجالس أولياء أمور الأبناء من خلال عضويتهن فيها، وليؤكّدن دورهن الفعال والمنتج في المجتمع، لذا أتمنى من وزارة التربية والتعليم تغيير هذا القرار، لأثره السلبي على أولياء الأمور الفاعلات والناشطات.
سلبيات عدة
عددت المحامية مريم صالح شامس عدداً من السلبيات التي قد تترتب على قرار وزارة التربية في كونه قد يخلق تمييزاً ضد الأمهات اللاتي لم يتمكنّ من الحصول على شهادة جامعية، مما يؤدي إلى استبعاد العديد من الفاعلات منهن، والمخلصات من المشاركة في عضوية مجالس أولياء الأمور، علاوة على أن استبعاد غير الحاصلات على شهادات جامعية، يمكن أن يؤثر سلباً في الصحة النفسية للطلاب، إذ قد يشعرون بالحرج أو الإحباط بسبب وضعهم الأسري، مما يؤثر في تحصيلهم الدراسي. وقالت: الأمهات من خلفيات تعليمية مختلفة، يمكن أن يقدّمن رؤىً، وتجارب قيّمة للمجالس، حيث إن التعليم ليس العامل الوحيد الذي يحدد قدرة الشخص على المساهمة بشكل إيجابي في المجتمع، لذا ولتعزيز المشاركة المجتمعية يجب تشجيع جميع الأمهات على المشاركة في الشؤون التعليمية لأبنائهن، بغض النظر عن خلفياتهن التعليمية، فالمشاركة الفعالة تعزز العلاقة بين المدرسة والأسرة.
نسبة وتناسب
قال أحمد الغصيب عضو مجلس إدارة مجلس أولياء الأمور في مدينة دبا الحصن: لابد أن تكون هنالك نسبة وتناسب في عضوية المجالس، لخلق مزيج قيادي مؤهل، يجمع بين العلم الحديث، والخبرات المعرفية السابقة، كما لا يجب اشتراط الشهادات العليا في بعض التخصصات، التي تحتاج إلى معرفة وممارسة في هذا المجال، لوجود المخزون المعرفي، من خلال الممارسة الواقعية في ميدان العمل.
العدالة والمساواة
قالت المحامية مريم صالح شامس إنه من قبيل العدالة والمساواة، يجب أن تكون هناك فرص متساوية لجميع الأمهات للمشاركة في مجالس المدارس، للمساهمة في تحسين بيئة التعليم، من هنا أطالب وزارة التربية بإعادة النظر في هذا القرار، والعمل على إلغاء هذا الشرط، لضمان مشاركة جميع الأمهات، وتعزيز بيئة تعليمية صحية ومتكاملة لجميع الطلاب.