د. أيمن سمير
مجلس الأمن في غرفة الإنعاش، ويحتاج فقط إلى رفع الأجهزة عنه حتى تُعلن وفاته.. بهذه الكلمات تحدث الكثير من مندوبي الدول في الأمم المتحدة عندما عجز المجلس عن منع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير/شباط 2022، وهنا تم طرح السؤال: إذا كان مجلس الأمن لا يستطيع القيام بمهامه في حفظ السلم والأمن الدوليين، فما قيمة الإبقاء عليه؟
الواقعيون والعقلاء في العالم كان لهم طرح آخر يقول إن مجلس الأمن يحتاج إلى الإصلاح وليس الإلغاء، وطرحت أكثر من صيغة ومقترح لإصلاح مجلس الأمن منذ عام 1992، ولم تأخذ كل هذه المقترحات طريقها للنور لأسباب كثيرة أبرزها خوف الدول الدائمة العضوية من أن تفقد نفوذها إذا تم وضع «قيود» على استخدامها حق النقض «الفيتو»، كما ترفض دول دائمة العضوية أن تزاحمها دول أخرى مكانتها الرفيعة في الأمم المتحدة- سواء كانت الدول الأخرى من بيئتها الجيو- سياسية أو حتى من قارات بعيدة عنها. لكن إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن في سبتمبر 2022 عن دعم الولايات المتحدة لإصلاح مجلس الأمن أعاد الروح من جديد لإمكانية فتح الباب لإصلاح المجلس عندما أعلنت واشنطن ترحيبها بتوسيع وإصلاح مجلس الأمن، وقبولها إضافة مقاعد دائمة لكل من إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
ويعتمد جوهر المقترحات الأمريكية على إضافة 6 مقاعد إلى العضوية الدائمة الحالية لتصبح 11 عضواً دائماً بدلاً من 5 أعضاء، دون منح الأعضاء الجدد حق «الفيتو»، وأيضاً تقترح واشنطن تقييد استخدام «الفيتو» للدول الخمس الحالية على «الحالات الاستثنائية النادرة»، لكن عدم الوضوح حول الحالات الاستثنائية النادرة أدى إلى نشوب تفسيرات وخلافات كبيرة حول طبيعة «الحالات الاستثنائية والنادرة».
وباتت قضية إصلاح مجلس الأمن أكثر جدية هذا الأسبوع عندما وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 22 الجاري على «ميثاق المستقبل» الذي جاء في 20 صفحة، و56 مساراً، جاء في مقدمتها تطوير مجلس الأمن الذي يتألف في الوقت الحالي من 15 عضواً، منها 5 دول دائمة العضوية، تتشكل من الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية (الولايات المتحدة وبريطانيا، وفرنسا، والصين وروسيا).
وتصدر القرارات من مجلس الأمن بموافقة 9 أعضاء على الأقل، بشرط ألاّ تستخدم أي دولة من الدول دائمة العضوية «الفيتو»، ويتم انتخاب 10 أعضاء غير دائمين بحيث تنتخب 5 أعضاء كل عام لمدة عامين، منهم 3 دول إفريقية، و2 من آسيا، و2 من أمريكا اللاتينية، ودولة من الكتلة الشيوعية السابقة شرق أوروبا، ودولة من غرب أوروبا. وكان عدد أعضاء مجلس الأمن 11 فقط عندما تم تأسيسه عام 1946، منهم 5 أعضاء دائمين، و6 غير دائمين، وفي بداية عام 1963 جرى الحديث عن زيادة أعضاء مجلس الأمن نظراً لاستقلال العديد من الدول التي كانت واقعة تحت الاحتلال، لهذا تمت زيادة الأعضاء غير الدائمين من 6 إلى 10 عام 1965 من دون أي إضافة لعدد الدول دائمة العضوية.
وتعود المطالبات الحالية لزيادة أعضاء مجلس الأمن إلى سببين رئيسيين هما، زيادة أعداد أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة في الوقت الحالي إلى 193 دولة، والتغير في الوزن السياسي والاقتصادي والجيوسياسي. ولا تترتب على قرارات المجلس تداعيات عقابية إلا إذا تم اعتمادها، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وتحتاج أي صيغة إلى إصلاح المجلس إلى موافقته أولاً، ثم يصادق عليها ثلثا أعضاء الجمعية العامة ال 193.
فما هي آفاق إصلاح مجلس الأمن؟ وكيف تتحدى الخلافات الجيوسياسية والمواريث التاريخية كل جهود الإصلاح التي يجري الحديث عنها منذ عام 1992؟ وإلى أي مدى سيشكل الاصطفاف الأمريكي مع دعوات الإصلاح حافزاً جديداً للمضي قدماً في إعادة هيكلة مجلس الأمن؟
شيخوخة مجلس الأمن
مضت نحو ثمانية عقود كاملة على الاجتماع الأول لمجلس الأمن الذي كان في 17 يناير 1946 بلندن، وكانت الدول في ذلك الوقت موزعة على 3 فئات، الأولى الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية والدول المتحالفة معها، والثانية الدول المهزومة وهي اليابان وألمانيا، وثالثاً الدول التي كانت تحت سيطرة هؤلاء. وعندما تأسس مجلس الأمن كان عدد الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة 51، ناهيك عن أن الحروب لم تعد وحدها هي التي تهدد حياة الإنسان بل التغيرات المناخية والأوبئة والأمراض التي يمكن أن تقتل عدداً أكبر من قتلى الحروب والنزاعات.
وتعد عملية إصلاح مجلس الأمن في غاية التعقيد من الناحية السياسية نظراً للخلافات الحادة ليس فقط بين الدول دائمة العضوية في المجلس بل الصراع بين الدول الراغبة والساعية إلى الحصول على العضوية الدائمة للمجلس. وهناك اتفاق على أن الهيكل الحالي لمجلس الأمن لا يعكس الحقائق الجيوسياسية للقرن ال21، كما أن بعض الدول مثل ألمانيا واليابان ترى أن مساهماتها المالية السخية للأمم المتحدة تجعلها مؤهله لتكون دائمة العضوية، بينما ترى دول أخرى مثل الهند والبرازيل ضرورة وجودها على مقاعد الكبار حتى يكون هناك تمثيل عادل «لعالم الجنوب».
وعلى الرغم من منطقية هذه المطالب فإن هناك تحديات هائلة تحول دون إصلاح المجلس، أبرزها:
* أولاً: ترفض كل من الصين وباكستان منح العضوية للهند، وذلك نظراً للخلافات والحروب التاريخية بين الهند وباكستان، كما يوجد خلاف حدود كبير بين الصين والهند على منطقة لاداخ، وترى الصين أن منح الهند ورقة العضوية الدائمة في مجلس الأمن سوف يحرمها من ورقة تتفوق بها على الهند الصاعدة اقتصادياً، لكن أكثر الأسباب التي تقف وراء رفض الصين عضوية الهند الدائمة هي شعورها بأن الهند تصطف مع الدول الغربية، حيث يكون الحديث عن القضايا السياسية خاصة ما يتعلق بحقوق الإنسان، وتخشى بكين أن تحل الهند قوة آسيوية في المستقبل محل الصين في سلاسل الإمداد والتجارة العالمية.
* ثانياً: رفض الصين وروسيا عضوية اليابان، ويعود ذلك إلى الخلافات الجيوسياسية في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي حيث تستضيف اليابان أكثر من 50 ألف جندي أمريكي ترى فيهم كل من الصين وروسيا خطراً على أمنهما القومي، إضافة إلى الصراعات على الأراضي بين اليابان من جانب وروسيا والصين من جانب آخر، حيث يدور الصراع الياباني الصيني حول جزر سينكاكاو، وهناك صراع تاريخي بين روسيا والصين على جزر الكوريل.
* ثالثاً: هناك اعتراض من دول «جنوب العالم» على منح ألمانيا العضوية الدائمة في مجلس الأمن حيث يمثل أوروبا 3 دول دائمة العضوية في المجلس هي فرنسا وبريطانيا، ناهيك عن روسيا الدولة الأوربية- الآسيوية، وينظر الكثيرون لمنح ألمانيا مقعداً دائماً باعتباره يشكل مزيداً من الإجحاف والظلم للقارات الأخرى وفي المقدمة منها إفريقيا وأمريكا اللاتينية.
* رابعاً: الفجوة بين مطالب إفريقيا والعروض التي يتم النقاش فيها مع القوى الكبرى، فرغم الاتفاق على ضرورة منح إفريقيا مقعدين دائمين وفق رؤية الرئيس الأمريكي، إلا أن الدول الإفريقية تسعى لما هو أكثر من ذلك حيث تطالب ب 3 مقاعد دائمة في مجلس الأمن، و5 مقاعد غير دائمة، وسبق أن وضعت الدول الإفريقية ضمن المبادئ التأسيسية لمنظمة الوحدة الإفريقية في عام 1963، مطلب التمثيل العادل لإفريقيا في مجلس الأمن.
* خامساً: مستقبل حق النقض «الفيتو»: هذه هي القضية الجوهرية في كل الحديث عن إعادة هيكلة مجلس الأمن حيث يرى البعض أن مجلس الأمن في ظل الظروف الحالية خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية بات عاجزاً عن اتخاذ قرار بسبب الاستخدام المفرط لحق «الفيتو»، ويدور الحديث عن أمرين في ما يتعلق بحق «الفيتو»، الاول هو ما مدى استعداد الدول الخمس دائمة العضوية في الوقت الحالي لمنح حق «الفيتو» للدول الجديدة التي سوف تنضم للمجلس بصفة دائمة. وحتى الآن تسود الأنانية السياسية كافة المناقشات حيث لا توجد رغبة حقيقية أو إرادة سياسية لمنح الدول الجديدة في المجلس حق «الفيتو»، كما لا يوجد أي توجه حقيقي لنزع أو تقييد «الفيتو» من الدول الخمس دائمة العضوية في الوقت الحالي.
وبكل صراحة قالت ليندا توماس غرينفيلد المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة «لا يوجد عضو دائم يرغب في التخلي عن حق النقض، بما في ذلك نحن، أنا صادقة... وأعتقد أن توسيع حق النقض من شأنه أن يجعل المجلس أكثر اختلالاً». في المقابل قال رئيس سيراليون جوليوس مادا الذي كان يتحدث بالنيابة عن إفريقيا أمام مجلس الأمن «إفريقيا تريد إلغاء حق النقض، ولكن إذا أرادت الدول الأعضاء الاحتفاظ بحق النقض، فيجب أن يشمل الأعضاء الدائمين الجدد، إنها مسألة عدالة».
* سادساً - مقعد للدول الجزرية:
رغم توافق الولايات المتحدة والدول الغربية على ضرورة منح الدول «الجزرية» مقعداً دائماً في المجلس إلا أن هناك بعض الدول مثل الصين تخشى أن يتم منح هذا المقعد لدولة من الدول الجزرية في غرب المحيط الهادئ الحليفة منذ فترة طويلة للولايات المتحدة والغرب وهو ما يمكن أن يحدث نوعاً من الخلل في المجلس.
* سابعاً- عدم الثقة:
رغم الحديث الطويل عن إعادة هيكلة مجلس الأمن وتأسيس اليابان والهند والمانيا والبرازيل ما يسمى بالمجموعة الرباعية للضغط نحو توسيع المجلس، وإقرار وثيقة المستقبل هذا الشهر التي تتضمن الدعوة لتوسيع مجلس الأمن، رغم كل ذلك يسود الشك وعدم الثقة تحركات الدول الكبرى التي ترى في الشكل الحالي لمجلس الأمن نوعاً من التوازن، وتخشى أي هيكلة جديدة يمكن أن تقود إلى فقدان هذا التوازن أو الإخلال بمصالحها التي ظلت تحافظ عليها نحو 80 عاماً.
* ثامناً- غياب المسار الإجرائي الواضح:
ينصبّ كل الحديث على أمرين لا ثالث لهما هما عدد الدول التي يمكن إضافتها لمجلس الأمن، ومدى تمتع الدول الجديدة بحق «الفيتو»، لكن هناك من يقول إن إصلاح المجلس لا بد أن يأخذ منحى أكبر وأوسع من ذلك وأكثر طموحاً من الأفكار التي يجري طرحها في الوقت الحالي، وفي مقدمة هذا ضرورة وجود مسار إجرائي واضح لعقد الجلسات واتخاذ القرارات، فالبعض يعتقد بأن طريقة المداولات وشخصنة القضايا يحرمان العالم من الاستفادة من الإمكانيات الهائلة لمجلس الأمن الذي يعقد نحو 400 جلسة سنوية تكون محصلتها ضعيفة جداً بالمقارنة مع حجم التحديات والتعقيدات التي يواجهها العالم.
* تاسعاً- لا مجال للطعن:
أكثر المشاكل التي تضعف الثقة في قرارات مجلس الأمن ويغيب الحديث عنها في جميع المداولات الحالية لإصلاح وتوسيع المجلس هو غياب أي مسار قانوني للطعن على القرارات التي يصدرها المجلس، ففي كثير من الأحيان تكون من نتيجة قرارات مجلس الأمن أن يفقد شخص أو مجموعة أو دولة مواردها وأصولها بفعل العقوبات، ولا توجد ألية قانونية للاعتراض على قرارات المجلس التي يراها البعض «ديكتاتورية»، وهناك من يطالب بحوكمة و«ترشيد» قرارات المجلس أو مراجعتها أو حتى نقضها من محكمة العدل الدولية.
شروط العضوية
في ظل الخلاف حول من له الأحقية والأهلية ليصبح عضواً دائماً بدأ الحديث في غرف الأمم المتحدة عن ضرورة وضع مصفوفة من الشروط والمؤهلات التي يجب أن تكون موجودة لدى أي دولة تسعى لتحصل على العضوية الدائمة، ومن هذا المؤهلات:
1-الالتزام بالقانون الدولي، بمعنى أن يكون تاريخ هذه الدولة أو تلك شاهداً ليس فقط على التزامها بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة بل أيضاً ببذل كل الجهد من أجل ترسيخ المفاهيم الدولية حول المساواة والحلول الدبلوماسية ورفض العنف والعسكرة، وهي مبادئ ضرورية لتنفيذ هدف مجلس الأمن في تحقيق السلم والأمن الدوليين.
2-شروط كمية، وهي المؤهلات السكانية والاقتصادية والجغرافية، بمعنى أن تكون الدولة التي تسعى لمقعد دائم في مجلس الأمن ذات تعداد سكاني كبير، وتساهم في الاقتصاد العالمي بشكل إيجابي، وتنتمي إلى إقليم جغرافي غير موجود حالياً ضمن الدول الخمس دائمة العضوية في المجلس
3 سيناريوهات: وفق ما يدور في الأمم المتحدة من نقاشات ومداولات حول إصلاح وتوسيع مجلس الأمن خلال الفترة القادمة تدور كل الأفكار خول 3 سيناريوهات رئيسة هي:
* الأول: زيادة دون الفيتو
ويقوم على زيادة أعضاء مجلس الأمن «الدائمين» إلى أكثر من خمسة أعضاء، لكن دون أن يتمتع الأعضاء الجدد بحق النقض «الفيتو»، وهو سيناريو تعترض عليه الدول الساعية للعضوية الدائمة في المجلس وتتمسك به الدول الخمس الحالية دائمة العضوية في المجلس.
* الثاني: سيناريو 1965
وهو الأقل طموحاً بين كل السيناريوهات، والذي يعني زيادة الأعضاء غير الدائمين من 10 إلى 15 أو 20 عضواً، ويتم انتخابهم بنفس الآلية الحالية لمدة عامين فقط، وهذا الأمر قد يساهم في تمثيل جغرافي أوسع لكن سيكون تأثير الأعضاء الجدد لا يختلف عن دور الأعضاء غير الدائمين في الوقت الحالي
* الثالث: إعادة تقييد الفيتو
هناك من يدعو ليكون استخدام الفيتو في حالات معينة، أو أن يكون «فيتو ثلاثي» بمعنى أن يكون تمرير الفيتو عندما يكون بثلاث دول دائمة العضوية وليس «فيتو واحد»، وهو سيناريو يصعب قبوله في الوقت الحالي في ظل تمسك الدول الخمس دائمة العضوية بجميع الحقوق والآليات الحالية التي تضمن لهم نقض القرار حتى لو وافقت عليه جميع دول المجلس الأخرى الأربع عشرة.
ويطرح أيضاً ضمن تقييد «الفيتو» أن يتم رسم علاقة تقوم على التوازن بين صلاحيات وقوة مجلس الأمن من جانب والجمعية العامة للأمم المتحدة من جانب آخر، فرغم أن الجمعية العامة تتمثل فيها كل الدول والشعوب لا تزال قراراتها شكلية ونظرية ولا ترقى لقوة قرارات مجلس الأمن خاصة تلك التي تصدر وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
[email protected]
عادي
إصلاح مجلس الأمن.. خلافات عميقة وآمال موسمية
26 سبتمبر 2024
00:14 صباحا
قراءة
9
دقائق
https://tinyurl.com/4yz62wun