كيف يمكن بناء مستقبل أفضل للسياحة؟

22:44 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي

قلبت جائحة كورونا موازين السياحة العالمية، فقد كان قطاع السفر والسياحة من أكثر القطاعات تضرراً من القيود المفروضة على النشاطات المختلفة لاحتواء فيروس كورونا، كما أن مساهمة القطاع السياحي في الناتج العالمي انخفضت بنسبة 49% لتصل إلى 4.7 تريليون دولار في عام 2020، ما تسبب في خسارة 62 مليون وظيفة، وذلك وفقاً لمجلس السفر والسياحة العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، انخفض إنفاق الزوار الدوليين بنسبة غير مسبوقة بلغت 69%، وبعد انحسار الجائحة أصبح هناك سباق بين دول العالم لإنعاش صناعة السياحة، من خلال تطوير استراتيجيات جديدة فعالة وعملية وطويلة المدى، وذلك لمحورية ذلك القطاع من الناحية الاقتصادية، وذكر تقرير حديثاً للبنك الدولي أن هناك ثلاث خطوات واضحة من أجل بناء مستقبل أفضل للسياحة.
أولاً: تحسين مستوى ثقة المسافرين.
ثانياً: فهم اتجاهات السوق الجديدة ومحركات الطلب وتتبعها.
ثالثاً: الالتزام ببناء قطاعات سياحة أكثر شمولاً وقدرة على الصمود، وذلك عن طريق الاستفادة من الاهتمام المتجدد بالاستدامة، وهو أمر له أهميته على المدى الطويل.
حيث سيكون تعزيز الاستدامة والقدرة على الصمود، وتشارك المنافع على نحو أكثر إنصافاً أمراً بالغ الأهمية، ويمكن لهذه النُهج مجتمعة تنشيط قطاع السياحة العالمي، وتسخير قوته في السوق لدعم الاقتصادات، وخلق فرص عمل، ودفع نواتج عملية التنمية التي تعطي الأولوية للناس ومجتمعاتهم المحلية.
وتولي اليابان -ثالث أكبر اقتصاد في العالم- أهمية كبيرة لإنعاش قطاع السياحة، فقد ظلت تقدم دعماً ملحوظاً لقطاعها السياحي منذ عام 2000 في تحرك استراتيجي نشط من أجل الإسهام في معالجة الركود الاقتصادي الذي ظلت تعاني منه خلال السنوات الأخيرة.
وفي عهد رئيس وزرائها شينزو آبي وضعت اليابان خطة خمسية محكمة للتصدي لتلك المشكلة من خلال تصحيحها بشكل مستمر وثابت وعلى أسس دورية محددة، من خلال تخفيف القيود المفروضة على إصدار التأشيرات السياحية، أو إلغائها تماماً في بعض الحالات. وقد أدى ذلك إلى حدوث طفرة في السياحة باتجاه اليابان: من 8.4 مليون شخص فقط في عام 2012، إلى حوالي 31.2 مليون شخص في عام 2018، وتمثل السياحة هناك 7.4% من إجمالي الناتج المحلي، و6.9% في معدل العمالة.
وبعد أن فتحت اليابان حدودها مجدّداً أمام السياح الأجانب، لإنعاش قطاع السياحة ومحور ذلك محاولة العاصمة القديمة كيوتو استعادة مكانتها بوصفها المقصد السياحي الأكثر جذباً للزوار، مع تجنب الزحام المفرط الذي سبب مشاكل قبل الجائحة، وهناك مبادرة يابانية تهدف إلى التحول بالسياحة إلى عصر جديد بالجمع بين التقاليد والتكنولوجيا، يصف المنظمون مشروعNaked Garden One Kyoto بالمشروع الفني من الجيل التالي الذي يتيح للناس استكشاف كيوتو في عالمين: واقعي وافتراضي. ويضم فعاليات في أكثر من عشرين معلماً تاريخياً في المدينة وحولها.
وجميع المواقع تستخدم الفن الرقمي لجذب السياح ليلاً، وللبعض منها نسخ افتراضية في الميتافيرس (وهو سلسلة من العوالم الافتراضية التي تتيح تفاعلات لا حصر لها بين المستخدمين من خلال الأفاتار الخاص بكل واحد منهم). وأخذت أعداد السائحين في التزايد مرة أخرى، فقد زار اليابان ما يزيد عن 3.8 مليون شخص خلال مدة لا تتجاوز بضعة شهور، وفي الوقت ذاته فإن بلوغ المستويات القياسية لأعداد الزوار كما عرفتها اليابان قبل الجائحة ما زال أمراً بعيد المنال.
فقد أعلنت الهيئة القومية اليابانية للسياحة بتاريخ 18 يناير/كانون الثاني أن 3.831.900 مسافر أجنبي وصلوا إلى اليابان عام 2022، وهذا العدد يفوق عددهم في السنة التي سبقتها بأكثر من 15 مرّة، لكن العدد الكلي كان حوالي 12% فقط من عدد الزوار الذين حضروا عام 2019، قبل الجائحة، ما يعنى أن التعافي التام لقطاع السياحة لم يتحقق حتى الآن، لأن عودة الزوار الصينيين ما زالت بطيئة.
فلطالما كانت الصين سوقاً بالغ الأهمية لقطاع السياحة الياباني، إذ بلغت نسبة الزوار الصينيين 30% من مجموع الزوار عام 2019، أما في العام الماضي 2022 فإن عدد الزوار الصينيين الذين حضروا إلى اليابان لم يتجاوز 189 ألف زائر، لكن المركز الياباني للأبحاث، وهو مركز أبحاث من القطاع الخاص، يتوقّع قفزة كبيرة في عدد الزوار الأجانب القادمين إلى اليابان هذا العام. ويقدّر المعهد أن يزور اليابان ما يزيد عن 20 مليون أجنبي، وأن يعود عدد السياح الصينيين للتزايد بعد فصل الصيف. وتشير حسابات المركز إلى أن أولئك الزوار سينفقون 3.1 تريليون ين، أي حوالي 23 مليار دولار أمريكي، الأمر الذي سيحقق زيادة في إجمالي الناتج المحلي بحوالي 0.4% بالقيمة الاسمية، لكن المركز يقول: إن هذا لن يحدث إلا إذا أخذ الزوار من الصين في العودة بأعداد كبيرة.
* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/26xpa3ba

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"