التعليم والرئة المعطلة

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي
أرقام صادمة تتعلق بتعليم الأطفال في العالم العربي أوردها تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف». فهناك مَنْ يقربون من 15 مليون طفل في المرحلة العمرية من 5 إلى 14 سنة خارج المدرسة، و10 ملايين طفل غيرهم يهدّدهم خطر الانقطاع عن التعليم، معظم هؤلاء الأطفال في مناطق التوترات التي تعمّ معظم أرجاء العالم العربي: غزة، السودان، ليبيا، لبنان وسوريا.
كانت الأمية في العالم العربي دائماً إشكالية بلا حل، ولأسباب عديدة، عندما نبحث في جذور المشكلة مثلاً سنقرأ في أحد تقارير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو»، صدر في عام 2014، أن حوالي 19% من العرب، أي مَنْ يقدَّرون ب 96 مليون نسمة أميون لا يجيدون القراءة والكتابة، وفي تقرير آخر صدر في عام 2022 سنجد أن 25% من العرب البالغين، أكبر من 15 سنة، هم بدورهم من الأميين، وهي أرقام صادمة عندما نتحدث عن القرن الحادي والعشرين. وتواصل التقارير والإحصائيات صدمتنا، فيما يخص موقعنا في العالم بالنسبة لمعدلات الأمية، ربما توجد دولة أو اثنتان في إفريقيا جنوب الصحراء ترتفع فيهما معدلات الأمية أكثر من العالم العربي.
ولكن ماذا يعني أن يكون ربع أو خمس السكان أميين؟ هي نسبة لها أكثر من مغزى ودلالة، فليس العجز عن القراءة والكتابة إلا الجانب الظاهر، ولكن المسألة في العمق تتماسّ مع آفاق اجتماعية واقتصادية وثقافية. والأرقام كارثية لو تمعّنا في الحجم، فنحن أشبه بإنسان تنتشر الأمراض في ربع جسده، فإذا أضفنا إلى ذلك أن هناك مَنْ يقربون من ربع آخر للسكان لم يتلقوا تعليماً جيداً، لأمكننا أن نقول إن العربي يعيش برئة واحدة، وربما نستمر في قراءة إشكاليات التعليم الأخرى والتي نعلمها جميعاً، والتي تمنحنا القدرة على التنبؤ بأن ربعاً ثالثاً من السكان تلقوا تعليماً إما لا يناسب سوق العمل أو لا يؤدي إلى تطور في الإمكانيات والأدوات التي تدفع العرب إلى الأمام.
إننا عندما نتحدث عن أية مشكلة تعترضنا غالباً ما نغفل حجم التعليم وجودته. منذ سنوات واجهتنا معضلة انخفاض معدلات القراءة في العالم العربي عن نظيرتها في العالم، ولم يتطرق أحدهم إلى أن ربع السكان يعجزون عن القراءة، وقبلها كانت معضلة الترجمة ولم نسأل أنفسنا: لمن نترجم؟ والصورة نفسها ستتكرر لو تحدثت من زاوية اقتصادية، فأنت أمام كتلة سكانية هائلة معطلة القدرات الإنتاجية، وفي الوقت نفسه تحتاج إلى حياة كريمة ربما لا تتوفر لها بسبب ظروفها، أي أننا أمام مشكلة مركبة يتقاطع فيها الثقافي بالاقتصادي بالاجتماعي.
التعليم في العمق أداة فرز اجتماعي مهمتها الأساسية صناعة النخب، وتلك الأخيرة، هي المنوط بها وحدها أن تقودنا إلى الأمام، ولا يمكن لتلك الأداة أن تعمل وهذا الحجم السكاني الهائل خارج اللعبة، بل ربما حدث العكس تماماً، وأرخت كتلة هذا الحجم بثقلها على رؤى النخبة وقدرتها على أداء المهمة المنوطة بها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4e4uhcy9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"