د. حسـن مـدن
بسبب ما شهدته الخدمات الطبية من تحسن على مستوى العالم، واكتشاف أدوية فعالة للكثير من الأمراض التي كانت تودي بحياة البشر مبكراً، فإن أعمار الناس أصبحت أطول. صحيح أن هناك تفاوتاً بين بلد وآخر وقارة وأخرى في ذلك، بل إن الكثير من بلدان العالم ما انفكت تعيش ظروف حروب مستمرة على مدار عقود متواصلة يروح ضحيتها مئات الآلاف من البشر من مختلف الأعمار، بمن فيهم الأطفال، وفي حالات كثيرة حتى الرضع فلا ينعمون ولو بالشيء البسيط من الحياة، على نحو ما نشاهده في قطاع غزّة، لكن تظل صحيحة قاعدة أن البشر باتوا يعمّرون أكثر..
على هذه الحقيقة ترتبت مراجعات للسياسات المتبعة في الكثير من الدول تجاه السن المحددة لتقاعد العاملين والموظفين. الحكومات، ملزمة إدارياً وأخلاقياً، بتأمين شروط العيش الكريم لقطاعات واسعة من البشر باتوا خارج الخدمة، وحيث إن المال هو لبّ الأشياء في عالم اليوم، ومعياره هو الربح والخسارة، باتت الحكومات تعيد النظر في الأمر، منطلقة من المنطق التالي، إن جازت تسميته «منطقاً»: إلى متى سنظل ندفع كل هذه الأموال لأناس لم يعودوا يعملون؟. منطق رأسمالي بامتياز.
في بعض البلدان يكون التقاعد في الستين، وفي بعضها الآخر في خمسة وستين عاماً، ولكن حتى هذا الأخير بات محل مراجعة في عدّة بلدان. مدير شركة استثمار في أحد البلدان أصدر تنبيهاً للعاملين في شركته فحواه «أن التقاعد، في سن الخامسة والستين، لن يكون ممكناً للكثير من الناس، بل إنه لن يكون ممكناً لأغلبهم؛ ذلك لأن ارتفاع العمر المتوقع للعيش على المستوى العالمي، يأتي معه تآكل شبكة التأمين الاجتماعي، وارتفاع تكلفة المعيشة أيضاً».
هذه الميول نحو إعادة النظر في سن التقاعد تقابل باحتجاجات من العاملين والاتحادات النقابية. لم يمضِ وقت طويل على سلسلة الاضطرابات المدنية في فرنسا في العام الماضي، التي قادها معارضو مشروع قانون إصلاح المعاشات التقاعدية الذي اقترحته الحكومة، والذي من شأنه زيادة سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، وانطلق المحتجون من قاعدة أخلاقية مفادها أن نيل التقاعد مستحق في السن المحددة، فلا يجوز تحويل البشر إلى آلات عمل إلى ما لانهاية.
على صلة بذلك تُجري الصين بدورها مراجعات مماثلة، منطلقة من أنها البلد الذي يُعدّ سن التقاعد فيه من بين الأقل على مستوى العالم. ووافقت أعلى هيئة تشريعية في الصين منذ نحو أسبوع، على مقترحات لرفع سن التقاعد القانوني من 50 إلى 55 سنة للنساء في وظائف الحرفية واليدوية، ومن 55 إلى 58 سنة للنساء في الوظائف الإدارية، وبالنسبة للرجال، يُرفع سن التقاعد من 60 إلى 63 سنة.
[email protected]