تحولات الدبلوماسية العامة الأمريكية

من الحقبة الاستعمارية إلى العصر الرقمي
00:02 صباحا
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 4 دقائق
1

عن المؤلف

الصورة
بروس غريغوري
بروس غريغوري
محاضر في الدبلوماسية العامة في جامعة جورج تاون وجامعة جورج واشنطن.
تقلد عدة مناصب في وزارة الخارجية، ووكالة المعلومات الأمريكية.

تعدّ الدبلوماسية أداة حيوية في السياسة الدولية، وتمثل وسيلة لحل الأزمات وتعزيز التعاون بين الدول. في السياق الأمريكي، تطورت الدبلوماسية العامة لتشمل ليس فقط العلاقات الحكومية، بل أيضاً التفاعل مع المجتمعات العالمية لتعزيز القيم الأمريكية. لكن مع التغيرات العالمية، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر والتقدم التكنولوجي، أصبحت الدبلوماسية الأمريكية أكثر تعقيداً واتساعاً.  

يأتي هذا الكتاب ليسلط الضوء على هذه التحولات التاريخية ودور الفاعلين غير الحكوميين في هذا المجال.

يتناول بروس غريغوري في كتابه الصادر حديثاً بعنوان «البعد العام للدبلوماسية الأمريكية: الممارسون كوكلاء للتغيير في العلاقات الخارجية» عن دار بلجريف ماكميلان للنشر باللغة الإنجليزية ضمن 481 صفحة، تأثير الشخصيات والجهات التي أسهمت في تشكيل الدبلوماسية العامة الأمريكية عبر مراحل تاريخية مختلفة.

1

يقدّم الكتاب سرداً موسّعاً يبدأ من الحقبة الاستعمارية في الولايات المتحدة ويمتد حتى العصر الحالي، موضحاً كيف تطورت الممارسات الدبلوماسية العامة من خلال جهود عدد من الفاعلين الرئيسيين مثل الدبلوماسيين، المثقفين، الإعلاميين، والمواطنين العاديين، الذين استطاعوا تحويل الدبلوماسية من كونها أداة حكومية تقليدية إلى أداة تفاعلية تشمل المجتمع بشكل أوسع.

يركز الكتاب على تقديم تحليل مفصل لكيفية تحولات الدبلوماسية العامة في الولايات المتحدة على مر العقود، ويبرز الدور المحوري لهؤلاء الفاعلين الذين أحدثوا تغييراً في طرق التواصل بين الولايات المتحدة والعالم الخارجي.

يوضّح الكتاب كيف أن الدبلوماسية العامة لم تكن وليدة الحرب الباردة أو محصورة في السياسات التي اتبعتها الولايات المتحدة خلال تلك الفترة، بل إنها ترجع إلى مراحل أبعد في التاريخ الأمريكي، كما يبيّن كيف شهدت هذه الممارسة توسعاً ملحوظاً بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث برزت الحاجة إلى إعادة التفكير في التواصل الدبلوماسي مع الجماهير على نطاق عالمي.

الممارسات الدبلوماسية التاريخية

يتحدى المؤلف السرديات التقليدية التي ربطت ظهور الدبلوماسية العامة بالأحداث السياسية الكبيرة، ويقدم رؤية جديدة تستند إلى الوثائق التاريخية والنقاشات المعاصرة حول تطور هذه الممارسة، كما يقدم تفسيرات حول كيفية تأثير الطموحات الأمريكية وتصورات الاستثنائية الأمريكية على أنماط الدبلوماسية العامة.

يُعتبر الكتاب دراسة أكاديمية موسعة تضمّ ثلاثة أجزاء رئيسية، تستعرض الأسس التاريخية والتطورات التي مرت بها الدبلوماسية العامة الأمريكية. في الجزء الأول من الكتاب، يقدم غريغوري خلفية تاريخية تمتد من الحقبة الاستعمارية حتى بدايات القرن العشرين، يشير المؤلف إلى أن الممارسات الدبلوماسية في مستعمرات الساحل الأطلسي لإنجلترا وقبائل الأمريكيين الأصليين خلال القرن ونصف القرن الذي سبق تأسيس الولايات المتحدة كانت أساساً للدبلوماسية الأمريكية. يتناول هذا الفصل التفاعل العابر للثقافات بين الطرق الدبلوماسية الأوروبية والدبلوماسية التمثيلية التي مارسها السكان الأصليون. يستكشف المحركات الرئيسية للدبلوماسية على الحدود مثل الحرب، والتجارة، والرغبة في الاستيلاء على الأراضي وحمايتها، بالإضافة إلى المجتمعات العشوائية ولكن المتعمدة التي شاركت في هذه الممارسات الدبلوماسية.

تعرض دراسات الحالة شخصيات بارزة مثل روجر ويليامز، أول دبلوماسي عام أمريكي، وزعماء من قبائل ألجونكيان ماساسويت وكانونيكوس في نيو إنجلاند، وويليام جونسون وزعيم الموهوك المعروف باسم الزعيم هندريك في نيويورك، وجورج واشنطن وزعيم قبيلة الكريك ألكسندر مكغيلفراي.

يتناول الكتاب في هذا القسم الأسس التي وضعتها الولايات المتحدة خلال فترة تأسيسها كدولة مستقلة، ويستعرض النقاط الحاسمة التي أثرت في مفهوم الدبلوماسية العامة، كما يوضّح هذا الجزء كيف كانت الدبلوماسية الأمريكية تتسم بميل نحو القوة الصلبة، ويعرض نقاط تحول رئيسية من فترة 1776 إلى 1917، مما يمهد لفهم أوسع للدور الذي لعبه المجتمع في السياسة الخارجية.

تأثير بناة الديمقراطية الأمريكية

يركز الكتاب في الجزء الثاني على تأثير الشخصيات والمؤسسات في تشكيل الدبلوماسية خلال القرن العشرين، ومن أبرز الفاعلين في هذا الجزء من التاريخ الأمريكي، منظمات المجتمع المدني التي أسهمت في نشر الأفكار الأمريكية خلال فترات الحروب والنزاعات العالمية، بالإضافة إلى موظفي الخدمة الخارجية الذين عملوا على تأسيس بنية قوية للدبلوماسية الأمريكية بين عامي 1948 و1990.

يشمل هذا الجزء أيضاً دور الدبلوماسيين الثقافيين في تعزيز العلاقات الثقافية على المستوى الدولي، بالإضافة إلى دور الجنود، الإعلام الحكومي، والعملاء السريين الذين أثّروا بشكل مباشر في طبيعة الدبلوماسية في فترة الحرب الباردة وما بعدها.

يشير المؤلف إلى أن بناة الديمقراطية الأمريكية ينقسمون إلى طريقتين مترابطتين من الممارسة: الإقناع من خلال المثال (الجذب) والتدخل المباشر. كان جون آدامز وتوماس جيفرسون من رواد هذه الممارسات. في القرن التاسع عشر، كان الدبلوماسيون يميلون إلى السماح لمجتمع مدني واسع بإبراز «التجربة الكبرى» لأمريكا.

أما في القرن العشرين، فقد أصبحت الحكومة جزءاً من مجتمع ممارسي نشر الديمقراطية. هذا الفصل يقيم الطرق المستخدمة، نقاط القوة والضعف فيها، ويستعرض بعض المنظمات الحكومية وغير الحكومية التي شاركت في هذا العمل مثل وزارة الخارجية، ووزارة الدفاع، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وهيئة السلام، ومنظمات غير ربحية مثل فريدوم هاوس، ومؤسسة آسيا، والصندوق الوطني للديمقراطية.

دبلوماسية أمريكية متصدّعة

يتناول الجزء الثالث التحديات التي واجهتها الدبلوماسية العامة الأمريكية في القرن الواحد والعشرين، مع ظهور وسائل الاتصال الحديثة والتكنولوجيا الرقمية، ويستعرض هذا الجزء كيف تأثرت الدبلوماسية الأمريكية بالتغيرات العالمية التي جاءت بعد أحداث ال 11 سبتمبر 2001، ويطرح تساؤلات حول مدى نجاح الولايات المتحدة في التواصل مع الجمهور العالمي في ظل هذه التحديات.

يشير المؤلف إلى أنه في عام 2020، كتب السفيران ويليام بيرنز وليندا توماس-غرينفيلد في مجلة «فورين أفيرز» عن «دبلوماسية أمريكية متصدّعة بشكل كبير» نتيجة لأفعال تدميرية من رئاسة ترامب و«عقود من الإهمال والشلل السياسي والانجراف التنظيمي».

أدى هذا الإعلان، إلى جانب انتخاب جو بايدن، إلى تقييمات واسعة النطاق للدبلوماسية الأمريكية بنتائج لم تظهر بعد. يناقش الفصل التحديات التي واجهتها المجتمعات الدبلوماسية خلال إدارات ترامب وبايدن، ويقترح طرقاً للتفكير في التغيير من خلال استراتيجيات صغيرة متكررة، والمعرفة المشتركة، والاستفادة من المزايا المقارنة، والتصالح مع الماضي الأمريكي.

يقدّم المؤلف في الختام نظرة مستقبلية على ما قد تشهده الدبلوماسية الأمريكية من تغيرات في العقود القادمة، مع التركيز على الحاجة إلى إعادة ابتكار أساليب التواصل والتفاعل مع العالم. على العموم، يعدّ هذا الكتاب مرجعاً مهماً لفهم كيفية تطور الدبلوماسية العامة الأمريكية، ليس فقط من حيث السياسات الرسمية، بل من خلال جهود الأفراد والجماعات الذين أسهموا في نقل هذه الممارسة إلى مستويات جديدة من التفاعل المجتمعي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/3bsxr6zb

كتب مشابهة

1
هربرت ريموند مكماستر
1
جوزيبي بلاشي وروب غودمان
1
بيل أوريلي ومارتن دوجارد
1
أديوالي ماجا بيرس

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
مايكل كايدنغ، ويوهانس بولاك، وبول شميت
1
صموئيل ج. هيرست
1
نايكي جي. بي. ألسفورد
4
محمد جلال الريسي
1
سابرينا كريم ودانيال هيل