مايك دولان*
غالباً ما تؤدي السياسة النقدية الصارمة إلى جانب الأجندة المالية المتقشفة إلى ارتفاع في قيمة العملة، وهذا ما يحدث حالياً للجنيه الإسترليني. ولكن لا يزال من غير الواضح لماذا ترغب الحكومة البريطانية أو بنك إنجلترا في ارتفاع قيمة الجنيه في هذا الوقت.
إن قرار بنك إنجلترا بعدم القيام بخفض ثانٍ لسعر الفائدة لهذا العام وُصف من قبل العديد من مراقبي البنوك المركزية بأنه «حدث غير مفاجئ». ومع ذلك، فإن هذا التجميد يحمل دلالات أعمق، بل ويثير التساؤلات، خاصة بالنظر إلى ما تفعله البنوك المركزية الكبرى الأخرى في مجموعة السبع، ولاسيما خفض الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة بنصف نقطة مئوية في اليوم السابق وخفض البنك المركزي الأوروبي لسعر الفائدة للمرة الثانية خلال عام 2024 الأسبوع الماضي.
وقد يكون قرار إبقاء سعر الفائدة عند 5% ببساطة مسألة توجيه رسائل، كما ألمح بنك إنجلترا. وربما هي إشارة للمفاوضين على الأجور لخفض توقعاتهم، ودعوة للشركات في قطاع الخدمات لتقليل الزيادات الكبيرة في الأسعار. أو قد يكون مجرد تحفظ معقول، حيث ينتظر بنك إنجلترا البيانات الجديدة التي ستصدر في ميزانية الحكومة العمالية الجديدة الشهر المقبل.
ومع ذلك، ومع تأكيد بنك إنجلترا مراراً على ضرورة القضاء على «استمرارية» التضخم، اتخذت لهجة البنك طابعاً أكثر تشدداً مقارنةً بالبنوك المركزية الكبرى الأخرى مؤخراً، لدرجة أن الأسواق ترى أن فرصة خفض بنك إنجلترا للفائدة في نوفمبر قد تراجعت إلى أقل من 70%، مقارنة بتوقع مؤكد قبل الاجتماع.
وما يراه السوق بشأن مسار التيسير النقدي في المملكة المتحدة ليس أقل حدة. والنسبة النهائية المتوقعة حالياً تبلغ حوالي 3.4%، والتي من المتوقع أن يصل إليها بنك إنجلترا بنهاية العام المقبل. وهذه النسبة أعلى بحوالي 50 نقطة أساس من نظيرتها في الاحتياطي الفيدرالي، و150 نقطة أساس عن البنك المركزي الأوروبي وبنك كندا، و300 نقطة أساس عن بنك اليابان.
وهذه الفروق في أسعار الفائدة أعلى مما كانت عليه في العقد الذي سبق تشديد السياسة النقدية في عام 2022. وليس من الواضح تماماً ما يبرر ذلك. فهل الضغوط التضخمية في المملكة المتحدة أسوأ بكثير مما هي عليه في الاقتصادات الكبرى الأخرى؟ وهل عادت هشاشة المملكة المتحدة التاريخية تجاه التضخم؟ أم أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد أضاف تعقيدات غير متوقعة؟
تبدو آفاق السوق بشأن معدلات الفائدة على المدى الطويل محيرة عند النظر في تفاصيل أخرى من توقعات البنك المركزي. وفي بيان اجتماعها، خفض بنك إنجلترا توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي لهذا الربع، وأشار إلى أن تضخم الخدمات سينخفض أكثر بحلول نهاية العام، وذكر أن الاستطلاعات تظهر تراجع توقعات الجمهور للتضخم إلى مستويات ما قبل الجائحة مع اقتراب التضخم العام من هدف 2%.
ومن المفترض أن يكون التأثير الاقتصادي أكبر إذا كانت الميزانية الحكومية القادمة مخلصة للتلميحات الأولية وتعمل على تشديد السياسة المالية عبر مزيج من رفع الضرائب وتقليص الإنفاق اللازم لسد فجوة مالية معلنة تبلغ 20 مليار جنيه إسترليني (26.55 مليار دولار). ويبدو أن الجنيه الإسترليني يستفيد من هذه الأوضاع. فقد دفعت توقعات السياسة النقدية والمالية المتشددة الجنيه إلى أعلى مستوياته أمام الدولار منذ أكثر من عامين، واقترب من أعلى مستوياته أمام اليورو خلال الفترة نفسها. كما ارتفع مؤشر التجارة للجنيه بأكثر من 3% هذا العام وحده، وهو قريب من أعلى نقطة له منذ استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016.
ونظراً لأن المشكلات التجارية الناجمة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تشكل جزءاً من مشكلة النمو في المملكة المتحدة، فإن ارتفاع الجنيه لا يمكن أن يكون مفيداً في الوقت الحالي. وحتى إذا ساعد الجنيه القوي في تخفيف التضخم في واردات الطاقة أو السلع، فإن ذلك لن يساعد بنك إنجلترا بشكل كبير، إذ إن القلق الأساسي للبنك يكمن في الخدمات المحلية والأجور، وهي غير مرتبطة بسعر الصرف.
وأشار بنك إنجلترا إلى أن سعر الصرف الفعلي للجنيه قد ارتفع بأكثر من 1% منذ اجتماعه السابق، لكنه ألقى باللوم على التحولات في أسعار الفائدة الأمريكية والتحركات المرتبطة بالدولار في ذلك. وإذا كانت المسألة ببساطة مسألة توقيت، فسيتعين على بنك إنجلترا تسريع وتيرة التيسير في نهاية المطاف.
*محلل اقتصادي (رويترز)