د. لويس حبيقة
تتقدم معظم المجموعات الاقتصادية العالمية، أما في لبنان فنسير إلى الوراء. قبل حرب غزة، أصبح معروفاً أنه لن تكون هناك حلول قبل ملأ الفراغ السياسي بدءاً من رئيس الجمهورية، ونزولاً إلى مراكز القرار الأخرى، مرورا بالقضاء وكافة المؤسسات.
من أهم ما يجري اليوم محاولة تعديل بعض القوانين المالية المبنية على تجربة فترة الثلاثين سنة الأخيرة التي أقيمت على شواذات كبرى نحصد اليوم نتائجها السوداء.
هناك من يدعو إلى تقييد صلاحيات الحاكم، كي لا تتكرر شواذات العقود الأخيرة، لكن هذا تسرع مبني على تجربة واحدة، وإن دامت 30 سنة.
من المهم أن نتذكر أن هذه الانتقادات لم تكن موجودة في عهود الحكام السابقين منذ إنشاء المصرف المركزي لأن ممارستهم للصلاحيات كانت محافظة، وضمن القوانين، ومبنية على المنطق وسلامة العلاقات والتوازنات بين المؤسسات. من الخطأ بناء مشاريع التعديلات على تجربة الثلاثين سنة السابقة، لأنها ستذهب بنا إلى أوضاع أسوأ وأخطر.
من التعديلات التي يجب التفكير بها هو إدخال حدود زمنية لفترة تسلم أي شخص للحاكمية، حيث تختصر بدورتين فقط أو 12 سنة كحد أقصى. هذا يجنبنا العديد من المشاكل التي حصلت في السنوات العشر الأخيرة، كما يفسح المجال للمؤسسة كي تتنفس من القمة.
في المصرف المركزي الأوروبي، يعين الحاكم لفترة 8 سنوات غير قابلة للتجديد. في الولايات المتحدة، تبنى الحدود الزمنية القصوى على واقع انتقال السلطة السياسية بين الحزبين، علماً بأن الحاكم الذي قضى في منصبه أطول فترة في تاريخ أمريكا هو «ألان غرينسبان» أي 18 سنة وهذا لن يحصل مجدداً، لأن الجميع ضده.
من التعديلات الأخرى المقبولة، هو ذكر نواب الحاكم الآخرين وليس الأول فقط، أي عند شغور الحاكمية يستلم الأول وإذا شغر يعود المنصب بالإنابة إلى الثاني وهلم جرا، وإلا ما جدوى وجود 4 نواب للحاكم. هل التوزع المذهبي فقط هو السبب؟ الموضوع الأساسي الذي يمنع المس به هو «استقلالية المصرف المركزي» في جوانبه المتعددة كي لا تتأثر القرارات النقدية بالسياسة والسياسيين. هناك محاولات سياسية لتقييد استقلالية المصارف المركزية ليس في لبنان فقط، وإنما عالمياً. آخر المحاولات كانت مع ترامب، لكنه فشل في تحقيقها، وربما يحاول مجدداً إذا عاد.
من الأفضل ترك إقرار أي تعديلات على قانون النقد والتسليف وغيره إلى العهد الجديد والحكومات القادمة، منعاً للتسرع، ولأن تجربة الثلاثين سنة السابقة هي فريدة ومن الصعب تكرارها ولا يمكن أن نبني مستقبل القوانين الأساسية عليها. لا مانع من تحضير أفكار ومشاريع قوانين وإقرارها مستقبلاً.
هذا ضروري ويجب أن يشمل قوانين أخرى، مثلاً ما يرتبط بالأحوال الشخصية والحقوق المدنية والمساواة الكاملة. تحديات لبنان كثيرة خاصة مع بدء عام دراسي جديد، حيث يظهر أن مشاكله المعيشية والتعليمية والإدارية تسبقه ولا من حلول كافية مؤكدة. كذلك الأمر بالنسبة للصحة وكلفتها مروراً بالتأمين والتغطيات الممكنة والمتوافرة.