يحيى زكي
في خضم العنف الذي يعيشه العالم، احتفلت الأمم المتحدة يوم 2 أكتوبر/تشرين الثاني الجاري باليوم الدولي للاعنف، والتاريخ يصادف يوم ميلاد الزعيم الهندي غاندي تذكيراً بالدور الذي لعبه في مقاومة الاستعمار الهندي بطرائق سلمية حتى استقلت بلاده. ربما يحيل العنف في الذهن للوهلة الأولى إلى الحروب والقلاقل والأفعال العنيفة من قتل وتخريب وإرهاب، في سبيل فرض أمر ما بالقوة أو تغيير فكرة أو واقع بوسائل لا سلمية، ولكن تأمل مفردة العنف نفسها يحيل إلى فضاء أوسع من ذلك بكثير، فضاء يؤكد أن نبذ العنف، أو مقاومته على الأقل، أمر منوط بجهات عدة وقوى اجتماعية مختلفة.
يبدأ العنف منذ الطفولة، وهناك ألعاب وحتى حكايات تقصها الأمهات على الأطفال تمتلئ بالعنف، ومن يقرأ أشهر حكايات ألمانية للأطفال «حكايات الأخوين غريم» سيدهش من مشاهد القتل والدماء المتناثرة في العديد من صفحات الكتاب. ونحن ننسى دائماً أن كل مغامرات «الكوميكس» الأمريكية مثل سلسلة «مارفل» وغيرها والمخصصة للأطفال والمراهقين تفيض بعنف مفرط، وجاءت وسائل التكنولوجيا الحديثة بمواقعها وألعابها الإلكترونية لتزيد الطين بلة، هذا مع الأخذ في الاعتبار السينما والمشاهد الإخبارية. وإذا جمعنا كل هذه المفردات بجوار بعضها، فسيتكشف لنا عالم يضرب العنف في جنباته.
لا يتوقف الأمر في مدارات العنف على الصورة، ولكن هناك لغة عنيفة نقرؤها في بعض الكتابات ونستمع إليها في وسائل الإعلام، وفي أساليب التخاطب اليوم في بعض المجتمعات. مدار العنف أيضاً يمتد ليشمل الزحام بما يفرزه من قيم، تؤدي في النهاية إلى ترسيخ اللاسلم، ونستطيع أن نلمح عنفاً مزعجاً في الأماكن الضاجة والصاخبة والمهمشة والفقيرة والتي تفتقد إلى أبسط شروط الحياة الكريمة.
العنف فكرة تبدأ من شعور الفرد أو الجماعة باختلافها عن الآخرين، هنا تتكون إشكالية الأنا/ الآخر بكل أبعادها الملتبسة، وهي إشكالية لا تتعلق فقط بالدراسات الفكرية المرتبطة بالحوار بين الثقافات والشعوب، ولكنها تعم فضاءات واسعة من الثقافة أيضاً، فنحن ننفعل عند مشاهدة الأفلام السينمائية، ونتعاطف مع البطل الذي يناضل في سبيل الخير، ولكننا ننسى في النهاية أنه يمارس العنف، وربما العنف المفرط، ولكننا نتغاضى عن ذلك لأننا في اللاشعور نحس أن من يطاردهم أو يصارعهم، الأشرار، هم بمثابة آخرين بالنسبة إلينا، نتمنى الخلاص منهم، وفي ذلك الخضم نتجاهل عن عمد أن ذلك البطل يمارس عنفه كثيراً بأساليب لا قانونية.
العنف الفكري بدوره أبرز أشكال العنف، فعندما يقصي بعضهم الآخرين فكرياً، ولا يحاولون أن يتفاهموا معهم، أو يتسامحوا مع ما يؤمنون به، أو يعتقدون بصوابهم المطلق أو أنهم أرقى من سواهم، ينشأ التطرف، وتدخل المجتمعات التي يظهر فيها ذلك في دوامات من العنف.
كيف نواجه العنف؟ وكيف نستلهم شخصية غاندي؟ وكيف نرسخ حالة السلم؟ أسئلة معلقة الإجابات باجتهادات ورؤى جديدة تكشف أولاً حجم وأبعاد العنف في حياتنا، وتحاول أن تتجاوزه في العقل والنفس ثانياً.
https://tinyurl.com/4x6s4xyf