د. عبدالله أحمد آل علي *
الملاجئ تعد جزءاً أساسياً من البنية التحتية الإسرائيلية للدفاع المدني، حيث تلعب دوراً محورياً في حماية المدنيين خلال الهجمات الصاروخية المتكررة من قطاع غزة، وجنوب لبنان، وإيران، واليمن، والعراق، التي زادت وتيرتها بشكل غير مسبوق في الفترة الأخيرة.
منذ تأسيس إسرائيل في عام 1948، ساد الخوف والقلق مختلف فئات المجتمع الإسرائيلي وطبقاته. الأحداث السابقة والراهنة، مثل حرب غزة الدموية وامتدادها إلى جنوب لبنان، تؤكد حالة الاضطراب الاستثنائية التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي.
بناء الملاجئ في إسرائيل يُعد جزءاً من عقيدة الاستقرار والأمان وفقاً للمنظور الإسرائيلي، حيث أنها جزء من الاستعدادات العسكرية والمدنية الدائمة.
تُظهر الإحصاءات الرسمية بعد عام 2020 أن إسرائيل تمتلك بنية تحتية من الملاجئ، تستوعب ستة ملايين شخص، إضافة إلى مئات الآلاف من الملاجئ الخاصة التي بُنيت في المنازل والمباني السكنية. تم تطوير هذه الملاجئ بشكل منهجي على مدى عقود، كجزء من استراتيجية الدفاع عن المدنيين في مواجهة الهجمات الصاروخية وغيرها من التهديدات.
خلال كل تصعيد عسكري، تُفعّل صفارات الإنذار، وتُشغّل منظومة القبة الحديدية، لاعتراض الصواريخ، في حين يهرع المواطنون إلى الملاجئ. خلال عملية «حارس الأسوار» في مايو/ أيار 2021، تم إطلاق أكثر من 4,000 صاروخ من غزة، ما أجبر الملايين من الإسرائيليين على الاحتماء بالملاجئ. قبل أيام فقط، شهدت تل أبيب هجوماً كثيفاً بالصواريخ القادمة من إيران، ما دفع الإسرائيليين مرة أخرى إلى الاحتماء بالملاجئ.
تشير الدراسات إلى أن الحالة النفسية للإسرائيليين، وخاصة الذين يسكنون المناطق الجنوبية، تتأثر بشكل كبير. نحو 80% منهم يعيشون في حالة دائمة من القلق والتوتر، ما يؤثر في حياتهم اليومية وسلوكهم الاجتماعي. الأطفال، على وجه الخصوص، إذ يظهرون علامات واضحة للاضطرابات النفسية مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، ما يعزز الشعور بعدم الأمان على الرغم من وجود الملاجئ.
ورغم أن الملاجئ نجحت في إنقاذ الأرواح، فإن الاعتماد المفرط على هذه البنية التحتية الدفاعية، يعكس حالة عدم الاستقرار المستمرة في إسرائيل. الملاجئ ليست حلاً دائماً، بل تعكس ضبابية في رؤية معالجة جذور المشكلة، والمتمثلة في الاعتراف بالدولة الفلسطينية ككيان مستقل مدعوم بالاعتراف الدولي.
أعتقد أن الطريق نحو تحقيق الاستقرار والسلام الحقيقي للشعب الإسرائيلي في هذه المنطقة، لا يمكن أن يتم فقط عبر تحسين البنية التحتية الدفاعية، مهما كانت متطورة. بل يتطلب إيجاد مقاربة سياسية توافقية جريئة ومؤلمة في الوقت نفسه، لتحقيق سلام عادل بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، قد تنهي هذا الصراع الدموي التاريخي.
وفي ختام هذا المقال، يمكن القول إن الملاجئ، رغم دورها الحيوي في حماية الأرواح، لن تحقق السلام والأمان للإسرائيليين. هي حلول مؤقتة للتهديدات الآنية، لكنها لا تعالج جوهر المشكلة.
السلام الحقيقي لا يمكن تحقيقه بالاعتماد على الدفاعات العسكرية وحدها، بل من خلال الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على الأراضي المحتلة عام 1967، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة، مع القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية.
* باحث في الشؤون الأمنية
https://tinyurl.com/47yj4wtn