د. لويس حبيقة*
العودة إلى ظروف اقتصادية دولية غير تضخمية تتطلب وقف الحرب في أوكرانيا وعودة أسواق المواد الأولية إلى طبيعتها، كما المطلوب وقف حرب غزة كي تعود الأجواء الاستثمارية الدولية إلى ماضيها. أفضل ما يمكن الأمل به هو أن تقف الحربان كما حصل مع كوريا حيث توقف إطلاق النار دون توقيع أي معاهدة سلام. ما زال الوضع بين الكوريتين كما كان في الخمسينات أي مجمداً. من الممكن أن يكون الحل الكوري أفضل من الموت والحرب والدمار والهجرة، بل ربما أفضل من إنهائها مع خاسر ورابح أي وقف نار وتحضير لجولات قادمة من العنف. عموماً، ليس المهم من يربح في الحروب بل من يربح السلام.
في سلاسل الإمداد، الحلول الاقتصادية أصعب إذ ترتبط بالسياسات الصناعية التي يجب أن تعتمد، كما بسياسات النقل والبنية التحتية والبيئة. هنالك اليوم موجة سياسات جديدة تبتعد عن التوصيات التقليدية أو «إجماع واشنطن» التي أوصت بنقل قسم كبير من مهمات القطاع العام إلى الخاص. هنالك جو جديد بسبب الأزمات يطالب بإحياء دور القطاع العام ليس فقط في الرقابة وإنما أيضاً في تقديم خدمات تعجز الطبقات الوسطى وما دون عن شرائها من القطاع الخاص. هنالك مطالبة شعبية للقطاع العام بتأمين وربما فرض سلامة القطاع المالي على المتنافسين خاصة في شقه المصرفي. تتكرر الأزمات المصرفية في معظم الدول وتنعكس سلباً على النقد والقدرة الشرائية للمواطن كما على حركة الأسواق بشكل عام.
هنالك دور كبير للقطاع العام في إدخال التكنولوجيا إلى الإدارة حماية لمصالح المواطن وتسهيلاً لحياته. هنالك دور مطلوب من القطاع العام في الإشراف على تحول الطاقة من الجزء الملوث إلى الأخضر ضمن الإمكانات المتوافرة والتشريعات الحديثة المطلوبة. أما دور القطاع العام في الضمانات الصحية والتعليمية فهو واجب كل الدول حتى الأكثر رأسمالية. هذه المشاكل العامة كلها مترابطة، لذا لا يمكن للقطاع الخاص أن يجد حلولاً فضلى لها حتى لو كانت النيات حسنة إلى أقصى الحدود.
أخيراً من السياسات المدنية المطلوبة أكثر فأكثر، تحديد مساحات كبرى ضمن المدن للمشاة فقط. هذا مناسب لمحاربة التلوث ومفيد للحياة والصحة شرط وضع نقل مساعد معين لغير القادرين على التنقل مشياً على الأقدام. هذه المساحات واسعة في المدن الكبرى، ولما لا تعتمد العواصم والمدن الكبيرة العربية هذه السياسات المناسبة جداً لوسطها. هنالك أقسام مدن كما جزر كاملة مسموحة فقط للمشاة منها على سبيل المثال جزيرة «هيدرا» اليونانية حيث التنقل داخلها يتم عبر الوسائل الخضراء أي السير على الأقدام أو استئجار الحيوانات المجهزة لذلك. هنالك من يقول إن هذه القوانين تحد من حرية المواطن الذي يرغب في قيادة السيارات. الجواب هو أن باستطاعته الذهاب إلى مدن أو جزر أخرى حيث قيادة السيارات ممكنة. طالما أن الخيارات الإيجابية متاحة للمواطن، لا مانع من تطبيق سياسات مدروسة في أوضاع صعبة.
*كاتب لبناني
https://tinyurl.com/mur9kz3b