د.باسمة يونس
عندما نتحدث عن الخط العربي، فنحن نشير إلى فنٍ من أبرز الفنون، المتفرد بحضوره، فإلى جانب كونه يرتبط بالكتابة فإنه يمتلك أبعاداً فنية وجمالية تجعله أحد أهم الفنون التشكيلية.
ارتبط الخط العربي بالثقافة العربية والإسلامية على مر العصور فلا يقتصر دورُه على كونه وسيلةً للتواصل والتدوين، بل تجاوز ذلك ليصبح فناً يعكس جماليات اللغة العربية، وتراثاً ثقافياً يعبّر عن روح الحضارة الإسلامية ويُعبر عن هوية حضارية تمتد عبر قرون من الإبداع، وأسماء لفنانين تركت أعمالهم بصمات لامعة في تاريخه، ومخزون يثير الإعجاب في كل زمان.
تكمن أهمية الخط العربي في قدرته على تحويل الكلمات إلى أعمالٍ فنيةٍ بديعةٍ، حيث يستخدم الفنانون مهاراتهم في تنسيق الحروف والكلمات بشكل يوحي بالجمال والتوازن بين الفراغات والمساحات، ولطالما تم استُخدام الخط العربي في تزيين المساجد والمخطوطات الدينية، خاصةً القرآن الكريم، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من الهوية الإسلامية والثقافة العربية.
وللإمارات دورٌ كبيرٌ في ازدهار فن الخط العربي وتطوره، فقد اهتمت بهذا الفن العريق ودعمته بسخاء من خلال تأسيس العديد من الجهات والمؤسسات الثقافية العاملة على ازدهاره، إضافة إلى المتاحف والملتقيات والمعارض المخصصة لهذا الفن وتنظيم العديد من المسابقات التي ترعى وتنظّم استقطابَ إبداعات الفنانين بشتى أنواعها.
وتُعتبر الشارقةُ من أبرز المدن العربية التي أولت اهتماماً بالغاً بفن الخط العربي، انطلاقاً من رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي يدعم الفن والثقافة بمختلف أشكالها، وقد استطاع بذلك تحويل الشارقة من ملتقى للفكر والفن إلى مركز حضاري ساطع، لا يكتفي باحتضان العديد من الفعاليات والمهرجانات الفنية التي تركز على فن الخط العربي فقط، بل اهتم كذلك بالبنية التحتية لهذا الفن من أجل استدامته ومن بينها ملتقى الشارقة للخط العربي، الذي يُعد من أهم الأحداث السنوية في عالم الخط، وهناك جمعية الإمارات لفن الخط العربي والزخرفة التي تأسست بموجب مرسوم من صاحب السمو حاكم الشارقة.
يجمع ملتقى الشارقة للخط العربي في كل عام رواد هذا الفن من مختلف أنحاء العالم، ويوفر منصة لعرض الأعمال الفنية المبدعة، وتبادل الخبرات والتجارب بين الخطاطين، كما يشجع الملتقى الأجيال الجديدة على تعلم الخط العربي وتطوير مهاراتهم من خلال ورش العمل والمحاضرات التي تُقدَّم خلال فعاليات الملتقى.
ولم يقتصر اهتمام الشارقة بالخط العربي على الملتقى فحسب، بل امتدت هذه الرعاية إلى المؤسسات الفنية والثقافية التي تدعم هذا الفن على مدار العام، ومن بين تلك المؤسسات مركز الشارقة لفن الخط العربي والزخرفة، الذي يُقدم برامجَ تعليميةً ودوراتٍ تدريبيةٍ تهدف إلى تعزيز الوعي الفني بين الشباب، وتعليمهم أسس ومبادئ الخط العربي، عدا عن استقطاب العنصر النسائي لممارسة هذا الفن والإبداع فيه.
ويظهر الاهتمام بالخط العربي في الشارقة بوضوح في العديد من المشاريع المعمارية التي تتزين بالكتابات والخطوط الجميلة، ما يعكس اعتزاز الإمارة بهذا التراث الفني العريق وفي ظل الاهتمام المتزايد الذي توليه الشارقة بهذا الفن، يُتوقع أن يستمر الخط العربي في التطور والازدهار، ليبقى جزءاً من التراث الإنساني والفني الذي يُحتفى به في العالم.
إن الخط العربي أكثر من مجرد وسيلة لتسجيل اللغة، بل هو انعكاس للأفكار والمشاعر والقيم وقد تمكن الخطاطون عبر التاريخ من تطوير هذا الفن وتحسينه ليصل إلى مستويات عالية من الدقة والجمال، حيث يمكن من خلاله التعبير عن التناغم والتوازن والتنوع.