حروب الكبار

00:01 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. ناجى صادق شراب
يقال إن الحرب هي امتداد للسياسة، وهذا يعنى أن الحرب إذا لم يكن لها أهداف سياسية تحققها فستكون خياراً فاشلاً. وحروب الكبار لها أهداف كبرى وتضحيات أكبر ويدفع ثمنها الجميع. وأي اتفاق سلام يتبع الحرب ينبغي أن يحقق هذه الأهداف الكبرى، وهذا حال أية حرب كانت الولايات المتحدة طرفاً فيها.
فإذا أرادت الولايات المتحدة أن تخوض حرباً فهذا يعنى أن أهدافها تتماهى مع استراتيجيتها بالعودة إلى أمريكا الأحادية التي لا يتم تحديها أو مواجهتها. وقد تبدو الحرب مع روسيا مستبعدة في أوكرانيا، ذلك أن التصريحات الأمريكية المتشددة لم تكن إلا رسالة للحلفاء الأوروبيين حول الدور الأمريكي الحتمي، وأنه لا دور لأوروبا من دون الدور الأمريكي. وأما الحرب الثانية الخطأ مع إيران، فالتصريحات التي تصدر على لسان مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، إضافة إلى الحراك الإسرائيلي باتجاه الولايات المتحدة، لا تعني أن الحرب معها قد تكون حرباً سهلة، فإيران تمتلك من القوة ما قد يلحق الضرر الكثير، وهذه الحرب قد تتحول أيضاً إلى حرب إقليمية وربما عالمية تخرج عن السيطرة ويصعب وقفها، أو تحقيق الهدف منها بإسقاط النظام القائم أو التخلص من كل القدرات النووية الإيرانية. وتبقى الحرب الأكثر خطأً هي الحرب مع الصين بسبب تايوان.
تصريح وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن بأن الولايات المتحدة لن تسمح للصين بأن تذهب بعيداً في تايوان، وقول الرئيس جو بايدن إنه «لن نسمح للجزيرة الديمقراطية أن يتم غزوها واحتلالها»، لا يعني أن الحرب وشيكة، فالرئيس الأمريكي يريد أن يجعل من الحرب مع الصين حرباً بين الديمقراطية والدكتاتورية، وهذا لمسناه في موقف واشنطن باعتبار الصين تتدخل في الشؤون الداخلية للدول. وهو ما يعني أيضاً تجديداً للحرب الأيديولوجية التي انتهت مع إدارة ترامب وقيام الرئيس الصيني وزوجته بزيارة للرئيس ترامب في منتجعه بفلوريدا.
بعض الخبراء الأمريكيين يرون أنه يمكنهم كسب الحرب القصيرة سريعاً وإحباط أي محاولة صينية للهجوم على تايوان. والصين ترى أنه بإمكانها أن ترد بضربات سريعة وحاسمة وتشل المقاومة التايوانية وتضع الولايات المتحدة أمام الأمر الواقع. كلاهما يفضلان حرباً خاطفة.
فى جميع الخيارات لن تكون حرباً خاطفة قصيرة بل ستكون لها أبعاد إقليمية وعالمية، ومن السهل أن تبدأ هذه الحرب لكن من الصعب وقفها، وقد لا يحقق أي منهما أهدافه السياسية. هي من نوع الحروب التي لن يخسرها أحد، وستكون مكلفة في جميع نواحي الحياة، فلا الصين مستعدة لقبول الهزيمة ولا الولايات المتحدة مستعدة لقبول الهزيمة، لأن الثمن السياسي أكبر من أن يتحمله كل طرف وقد يكون الثمن السياسي الحكم ذاته. ومن مخاطرها قد تكون تداعياتها خطيرة فمن يضمن ألا تتحول إلى مواجهة نووية، إضافة إلى أن كليهما تملكان من القدرات والموارد ما يؤهلهما لحرب طويلة طالما لم تحققا الهدف السياسي منها.
ويعتقد الصينيون أن بإمكانهم توجيه ضربات صاروخية قوية تشل القدرات الدفاعية ليس فقط لتايوان بل للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة. أضف الى القدرات السيبرانية التي قد تحدث حالة من الفوضى تعيق أي ضربات تايوانية أو أمريكية. وفي مثل هكذا حروب تستهدف الهيمنة والسيطرة تزداد المخاطر منعاً للهزيمة، وهي أصعب الحروب. فالصين لن تسلم بالهزيمة التي تعني وجود الدولة والنظام، كما تشجع الآخرين على استفزاز الصين أو تهديدها. والسيناريو نفسه بالنسبة للولايات المتحدة التي تعتبر نفسها القوة الأعظم التي لا يمكن هزيمتها والتي تتربع على قمة النظام العالمي وتمتلك الاقتصاد الأكبر والقوة العسكرية التي لا تضاهى. لا أحد سيقبل بالهزيمة، وكلاهما يملك القدرات لاستمرار أطول حرب قد يعرفها التاريخ. والمتعارف عليه في أدبيات الحروب أنه عندما تبدأ حروب الكبار تصبح أكبر وأوسع وأكثر تعقيداً وتشابكاً مع دخول أسلحة جديدة من بينها النووية. وهذه الحرب ستستهدف البنية الاقتصادية والصناعية والعسكرية. وستدفع لإعداد الرأي العام لحرب طويلة كما قد تستهدف المدنيين.
إن الحروب الكبرى تطلب أهدافاً كبرى، وتضحيات أكبر للفوز فيها، وأي اتفاق سلام ينبغي أن يبرر هذه التضحيات. وهذا يجعل السلام أصعب، ويضيق الفرص الديبلوماسية. وقد يخلق حالة من العداء المستدام والكراهية وعدم الثقة ما قد ينعكس على العديد من القضايا العالمية التي تحتاج إلى التوافق والاتفاق.
لكل هذه الأسباب والمعطيات فإن الحرب بين الولايات المتحدة والصين ستكون الحرب الخطأ. فكلاهما قوتان نوويتان وإن كانت القوة الأمريكية تفوق الصينية بمراحل، وموزانة الدفاع الأمريكية التى تقارب التريليون دولار أضعاف موازنة الدفاع الصينية، ولذلك فهذه الحرب إن وقعت يصفها المحللون بالكارثة الكبرى التي تهدد الأمن والسلم العالميين. لذلك فإن الصين والولايات المتحدة تبحثان عن البدائل التي تحفظ ماء الوجه، كما حدث مع روسيا في أزمة أوكرانيا وما سيحدث مع إيران.
وتبقى الحرب على غزة وامتداداتها الإقليمية واحتمالات الحرب بين إيران وإسرائيل ومحاولة الولايات المتحدة كبحها، هي الحرب الخطأ التي لن يسلم منها أحد.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/55cskk7f

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"