خواطر في معنويات الشعوب

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

ألا يستحق الانجذاب المفاجئ إلى الشعر الصوفيّ لدى الشعوب نظرةً تحليليّةً؟ أعلى المبيعات لغزليّات جلال الدين في الولايات المتحدة نموذجاً. أين تكمن ضرورة كشف المحجوب؟ لماذا الغزل الصوفي لدى المولوي بالذات؟ لكي يكون المنطلق سليماً، يجب تأسيس التحليل على مقولة الجنرال شارل ديغول: «أنا لا أعرف أمريكيّاً واحداً هو أمريكي بحق».
هنا يستوجب الأمر السؤال: إذا كان الشعب الأمريكي في دولة تحكمها الرأسمالية المتغوّلة، وتوجّهها القوة الظامئة إلى الهيمنة العالمية، والإصرار الاستراتيجي على إلغاء أيّ بادرة للمنافسة، وبالرغم من التنوع العرقي والإثني وفي الديانات والمذاهب واللغات والثقافات، فكيف حدث التجاوب والتناغم بين كل تلك الأطياف، في التعلق بغزليات صوفية قبل ثلاثة عقود، تجاوزت مبيعاتها المئة ألف نسخة في الشهر الأوّل؟
لكي نفهم هذا التناقض بين المادي والمعنوي في البلد الواحد، نقفز قفزة كبيرة، من الولايات المتحدة إلى بريطانيا، حوالي سبعة آلاف كيلومتر، فهنالك ترجم إدوارد فيتزجيرالد رباعيات عمر الخيام إلى الإنجليزية، محدثاً ما أسماه عباس محمود العقاد: «عمر الذي غزا الغرب». أليس عجيباً أن شعباً يُعرف بأنه محافظ، تفتنه رباعيات شرقية ليس فيها شيء محافظ؟ لكن على الفكر التريث، فالقيود المحافظة ولّدت في النفوس نزعات انفلاتيةً، من مظاهرها السلبيّة «هوليجانز» كرة القدم. بالمناسبة، أجواء الرباعيات نسخة مطابقة للأصل عن الأناشيد الساحرة في مصر القديمة، التي ذكر جيمس هنري بريستد مجموعةً منها في كتابه البديع «فجر الضمير».
ها قد وصلنا. أوّل التحليل هو أن الجماهير الأمريكية في بانوراما تنّوعها الكبير، لا يمكن أن تكون سلوكيات التغول الاقتصادي والعسكري مرآةً لباطنها. حين فتحت أعينها على آفاق غزليات جلال الدين، رأت نقائض معاناتها جرّاء الاستفراد بحصة الأسد. الصوفي الحقيقي هويته كونيّة خارج حدود الزمان والمكان. لهذا وجد الشعب الأمريكي الحل لتناقضات حياته ووجوده، في الغزليات العرفانية. هل كان شعار «لديّ حلم»، الذي أطلقه مارتن لوثر كينج، في خطابه الشهير سنة 1963، عند نصب لنكولن التذكاري، تمهيداً معنوياً في نفوس الجماهير، لارتشاف كاسات «تسقيها بصافيةٍ.. لا للسلاف ولا للورد ريّاها»؟
لك حق السؤال: هل يعمّق النزوع إلى العرفان التناقضات النفسية والروحية لدى الشعب الأمريكي، فتمتلئ قيثارته بأنّات الجوى، إزاء سلوكيات الدولة العميقة وامتدادات سلوكياتها في أرجاء العالم، فلا يجد بدّاً من الفيضان؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: تستطيع القوة الهيمنة على القارات، لكنها لا تقوى على إخضاع المعنويات.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2c28m2du

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"