لم أتعوّد

00:47 صباحا
قراءة دقيقتين

تعودت أن أسافر بين القارات، وأختبر المطارات، وأرى الوجوه التي سمعتُ عنها ورأيتها في الشاشات، وفي سطور الروايات. وبين الساحات رأيت أصحاب الديانات، وقصص الاختلافات وحكايات الأزمان والحالات من وقت إلى آخر، في طفرات التغييرات، والعصر التكنولوجي والانفتاحات.
تعودت أن أرى تطور المدن وتاريخها، وصوتها في حضارتها ومكتباتها، وجامعاتها وأروقة الفصول وطلابها الذين يدرسون، ولا يمارسون إلا مشاغبات المسائل والتجارب في المختبرات، ومباريات في أوقات الفراغ وحسن اختيار الهوايات، وسؤال المعلم عن طالب غاب، وحسن خلقه وعلمه.
تعودتُ كثرة الألوان، والثقافات والتجارب.. وكلٌّ في ملبسه وأصله يسرد لك من أين أتى وماذا يمثل، وكيف أن المشرب والمأكل على اختلافهما، يعطيانك إحساس المذاقات المختلفة، وتجربة الإنسان التي تطورت مع الوقت، لتلامس كل الاحتياجات والمتطلبات وتصبح في الالتقاء، لوحة ومتحفاً ومدرسة وحيوات من بعد اجتماعي وإنساني يعلمك كيف أن الله خلقنا شعوباً لنتعارف.
لم أتعود بعد، وأنا أجوب الأماكن نفسها، الانحلال الأخلاقي المنفلت من قمة الهرم لدرك أسفل مقيت، تشمئز منه النفوس النقية الطاهرة. لم أتعود تحليل أي نوع من المخدرات، وإن كان بكميات، ولم أتعود شعوباً ودولاً تصنف نفسها المتقدمة، وهي تجزم أنها في الطب والعلوم لا يجاريها أحد. وفي حق من يعيش على أرضها تفرض ما يضره ويذهب عقله وإن كان لسويعات أو أوقات معدودة.
لم أتعود بعد تحليل الأشكال التي أراها، ولا خلق طبيعة تنافي فطرة الله في خلقه، ولن أتعود يوماً ألّا يكون المرء حقيقياً في نفسه، ومجتمعه وعقله وما ينتمي إليه من فطرة إنسانية سوية قويمة، من دون شذوذ أو مغالطات بشعار الحب والحرية، وأن لكل امرئ الحق في نفسه وكيف يريد أن يعيش.
لم أتعود بعد كثرة المشردين في المدن وفي برد قارس، من كبار سن في السابق إلى كل الأعمار اليوم، لم أتعود رؤية المرض والسوء يفرضان نفسهما، ولم أتعود رؤية الجوع والإهانة رفيقين لهم، ولا أدري في أي حال هم أنفسهم أساؤوا لقيمة وجودهم وانتمائهم، وماذا فرضوا في ماضيهم حتى أصبح حاضرهم مؤلماً دونما كرامة ولا حقوق. لم أتعود يوماً رؤية كل هذه التظاهرات والمسيرات في الشوارع، ويصبح الأمر لا يحرك بنا شيئاً، غير بعض من صور ومشاهد نلتقطها وننام...!
لم أتعود بعد فكرة أن الحياة بعيداً من قيمنا وديننا هي خير، ولن تكون خيراً والله خلقنا في أحسن صورة، وفضلنا على حياة الحيوان، وجعلنا بعقولنا نوازن الأمور، حتى اختلت بكثرة النداءات ومحاضرات الحرية موازين البشر وأصبحت كل الأمور مستباحة.
لم أتعود ولا أريد، وأسال الله أن يرحم كل الأجيال القادمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4y8xa79a

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"