العدل.. «حكمت فعدلت فأمنت فنمت»

00:53 صباحا
قراءة 4 دقائق

عبدالله السويجي
بغض النظر عن مصدر المقولة وناقلها وكيفية حدوثها، إلا أن الرواة جميعاً اتفقوا أنها قيلت بالخليفة عمر بن الخطاب، من قِبل رجل غير عربي. والمقولة تجمع أربعة عناصر مهمة هي: الحكم، والعدل، والأمان، والنوم، وهي متتالية بحيث كل عنصر يؤدي إلى الآخر، فالحكم العادل أو العدل، يؤدي إلى الأمن والأمان، وبالتالي إلى النوم في العراء، وهو قمة الاطمئنان. والعدل مصطلح تُؤَلفُ حوله كتبٌ ومقالات طويلة، لعدم ارتباطه بحاكم الدولة أو الولاية فحسب، بل يتشعب ليشمل جميع نواحي الحياة، فالعدل ضد الظلم، وهو المساواة والتساوي، أو منح الحقوق لأصحابها، والحقوق كثيرة لا تتوقف عند الحاكم والمحكوم، فلكل إنسان حق، بل لكل مخلوق حق، من هنا ظهرت حقوق الإنسان والرفق بالحيوان وغيرها..
من مخرجات العدل: السلام، المحبة، التآخي، الصداقة، ومن أشكالها في ميادين الحياة، في مكان العمل، في المجتمع، في الأسرة، في المدرسة، في الشارع، في العاطفة، والأمثلة كثيرة ونتيجتها انتشار السلام والأمان والرضا والمحبة في المجتمع والوطن. لكن ما هي مواصفات المحقق للعدل أو العدالة؟ وهل هي صفات مكتسبة أو فطرية؟ أسئلة كثيرة ومتشعّبة.
من المعروف أو المتعارف عليه أن الحاكم العادل هو الحريص على تطبيق القانون وإيجاد قضاء يحكم بالعدل بين الناس، وهو الذي يتأكد من تطبيق المؤسسات الحكومية والعامة معايير العدل وشروطه، وتكون مخرجاته في توفير الخدمات العلاجية والتعليمية إضافة إلى توفير الحياة الكريمة للمواطن وكل من يقطن على أرض دولته، وهي أمور سهلة إذا ما توفّرت الإرادة والنوايا الإنسانية والقيم.
وتبقى الأمور الأصعب، وهي تلك المنوطة بالفرد: كالمدير العادل والأب العادل والزوج العادل وكل ذي مسؤولية وكل راع في رعيته. وإذا كان من السهل على المدير تحقيق العدالة بين الموظفين عن طريق تطبيق القوانين العادلة، ومن بينها تكافؤ الفرص، والمساواة بين المرأة والرجل في الراتب والحوافز والترقية والتقاعد والتشجيع والتعامل، فإن تحقيق العدالة بالنسبة للأب قد يكون صعباً، لارتباطها بمستوى الوعي القانوني والثقافي والأخلاقي والإنساني، وحتى يستطيع الأب عدم التفريق بين الأنثى والذكر، يجب أن يتمتع بأحد أمرين، أولهما التمتع بثقافة عالية ورؤية متقدّمة ومتطورة وفهم للإنسان، بيولوجياً وإنسانياً، ويؤمن بالمساواة بين الأنثى والذكر في كل شيء، وثانيهما التمتع بفطرة وذكاء طبيعيين وحكمة تؤهله لتحقيق العدل بين الجنسين، وكلاهما إنسان بلغ من التحضّر مستوى عالياً، ومن المدنية رتبة متقدمة، واستطاع التخلص من سنوات طويلة تعرضت فيها الأنثى للظلم وإهدار حقوقها وأحياناً إنسانيتها.
وجميعنا قرأنا عن تلك الحقب التي كانت الأنثى فيها أقل شأناً من الذكر، وهناك مجتمعات كانت تحرم الفتاة من التعليم وممارسة قدراتها وهواياتها وغيرها من الحقوق كاختيار شريك حياتها وغير ذلك، وجميعنا نعلم أن نسبة الأمية كانت في كثير من المجتمعات، وربما لا تزال، منتشرة بين الإناث أكثر من الذكور، ويمكننا القول إن العدالة كانت غائبة عن تلك الحقبة أو تلك المجتمعات، ما جعلها تتأخر عن ركب التحضّر والتمدّن والمساهمة في تطوير مجتمعها، بينما الدين أعطى الأنثى حقوقها ودافع عن إنسانيتها ورفع مرتبتها، كونها الأم والأخت والزوجة، وبذكر الزوجة، يتطلب توفير العدل لها عن طريق منحها حقوقها، ثقافة عالية، تنظر إليها كشريك وليس تابعاً، ومشاركة في الحياة والقرارات وليست منفّذة لها. البعض يقول إن عصرنا يخلو من هذه الفئة من الرجال، التي تعامل الزوجة كتابعة أو كخادمة.
ونقول إن عصرنا، بكل ما حققه من تقدّم علمي وإنساني ونظريات نفسية واجتماعية، لا يزال يضم شرائح عقولها ذكورية بامتياز، وقد نُصدم من شخصيات مرموقة نُعجب بها في المجتمع، وتمارس القهر على أزواجها في البيوت. وقد يقول قائل إن القانون مع المرأة لو أرادت، والجواب نعم، ولكن نسبة كبيرة من النساء في مجتمعات فقيرة لا يستطعن الوصول إلى القضاء ويبقين تحت رحمة السلطة الذكورية. وهكذا، نجد أن العلاقة بين الزوج وزوجه، وبين الأب وأبنائه تطغى على حديثنا، هذا لأنها تؤثر كثيراً على المجتمع والنشء والأجيال الصاعدة وصحتهم النفسية والمجتمعية.
إن أحد أهم أسباب التنمية الناجحة والمستدامة هو تحقيق العدل والعدالة على الصعيد الوظيفي والأسري والمجتمعي، لأن من ينجح في تحقيق العدالة في هذا المضمار يكون قد بنى دولة تتمتع بكل معاني الرقي، دولة يعرف مواطنوها معنى المسؤولية والولاء والانتماء، فممارسة المفردات السابقة بحرية وصدق تنم عن إحساس عال بالضمير الجمعي ما ينفي وجود فساد من أي نوع، أو تجاوزات في أي مجال، وسينعكس على الواقع السياسي للدولة، فالتعامل مع مواطنين مثقفين متنوّرين مدنيين وحضاريين يسهّل انتقال الدولة من مرحلة إلى أخرى، إن كانت تشريعية أو خدماتية أو حتى على صعيد السياسة الخارجية لها.
النظام العادل نظام يسوده السلام، وينشر المحبة والانسجام والتآزر بين المواطنين، ويصبح وجهة مُفضّلة للعيش والعمل والاستثمار والاستجمام، وبيئة تجذب طالبي العلم من أنحاء الكرة الأرضية. وبلادنا نموذج ناصع للحياة الكريمة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc685zzf

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"