كل ما جرى ويجري منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى يومنا هذا يثبت بشكل لا يقبل الشك أن ما تقوم به إسرائيل سواء في قطاع غزة أو جنوب لبنان لا يمثل ردة فعل على ما جرى في أكتوبر الماضي، وإنما ترجمة على الأرض لخطط كانت معدة مسبقاً بانتظار الفرصة المناسبة لتنفيذها، ولذلك لا غرابة أبداً في مطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأمم المتحدة بسحب قوتها المؤقتة المعروفة باسم «يونيفيل» من جنوب لبنان بحجة أن بقاءها يعرض جنود حفظ السلام للخطر، بعد إصابة خمسة من أفراد القوة بنيران القوات الإسرائيلية، ما أثار موجة من الاستنكار والإدانة عالمياً، حيث ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش بالاعتـــداء الإسرائيلي على قوة اليونيفيل مؤكداً أنه يمثل انتهاكاً للقانون الدولي ورفض سحب هذه القوات، كما دانت دولة الإمارات العربية المتحدة بشدة الهجوم، موضحةً أن استهداف قوات السلام انتهاك لمبادئ القانون الدولي ولأحكام قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701. كما أكدت الإمارات دعمها الراسخ للبنان ولسيادته ووحدة أراضيه، ودعمها للدور المهم الذي تقوم به قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في لبنان.
ولكي نفهم أسباب و أبعاد الموقف الإسرائيلي لابد لنا أولاً من إلقاء الضوء على قوة اليونيفيل والمهمة التي أنيطت بها، حيث إن «اليونيفيل» هي قوة تابعة للأمم المتحدة تم إنشاؤها عام 1978 لمراقبة انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة الحدودية، ودعم الحكومة اللبنانية في بسط سلطتها. بالإضافة إلى تنفيذ القرار 1701 الصادر بعد حرب 2006، وهذا يعني تنصل إسرائيل وتخليها عن القرار الأممي 1701.
وقد يتساءل البعض عن هدف إسرائيل من ذلك؟ لكن الإجابة عن مثل هذا السؤال تبدو غاية في البساطة، وهي أن إسرائيل تسعى إلى السيطرة على المنطقة التي تنتشر فيها قوات «اليونيفيل»، ناهيك عن الأطماع الإسرائيلية المعروفة بمياه الليطاني، ولذلك فإن استهداف القوات الدولية يعني استحالة تطبيق القرار 1701، كما أن انسحاب تلك القوات يعني أن تستمر إسرائيل بالاجتياح الكامل، وتجاوزها الخط الأزرق، والانهيار التام لهذا القرار الذي لن يعود له مكان ليكون فاعلاً بشكل أكبر.
والحقيقة أن مطالبة إسرائيل بسحب قوات اليونيفيل تؤكد أن العدوان الإسرائيلي على لبنان ليس عملية عسكرية محدودة، تحت ذريعة إعادة المستوطنين إلى شمال فلسطين المحتلة، وإنما هي على الأغلب مقدمة لاجتياح كبير لجنوب لبنان لأهداف توسعية، لكن إسرائيل التي تستشعر فشل عمليتها أياً كانت تسميتها تسعى إلى حفظ ماء الوجه عندما لا تستطيع تحقيق أهدافها الخفية وأطماعها في لبنان، زد على ذلك أن إزاحة قوات «اليونيفيل» تعني تغييب شاهد آخر على جرائمها، تماماً كما فعلت عندما استهدفت مؤسسة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، والعديد من المنظمات الدولية الأخرى.
طلب نتنياهو انسحاب قوات اليونيفيل قوبل باستهجان وإدانة الكثير من الأطراف، حيث دان رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي طلب نتنياهو، مؤكداً أنه «يمثل فصلاً جديداً من عدم الامتثال للشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة».
كما أكد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أن قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان «اليونيفيل» لن تنسحب من مناطق تمركزها، رغم تعرضها مؤخراً لهجمات من الجيش الإسرائيلي. وقال سانشيز، خلال منتدى في برشلونة نظمته مجموعة بريسا الإعلامية: «إن بلاده تدين التصريح الذي أدلى به رئيس الوزراء نتنياهو بكل حزم».
من جانبه دان الاتحاد الأوروبي استهداف إسرائيل لقوات حفظ السلام الدولية في لبنان.
ويبدو حسب الكثير من المحللين أن الهدف الإسرائيلي من المطالبة بسحب قوة اليونيفيل هو السيطرة على التلال التي توجد عليها، خاصة في حال تنفيذ الهجوم البري الواسع الذي يخطط له الاحتلال، والذي يعكس النوايا الحقيقية لإسرائيل.
ولعل ما يلفــــت النظــــر هـــو أن مطالبــــة نتنياهـــو بانسحــاب اليونيفيل تتزامن مع مقالات وتصريحات إسرائيلية تبرز الصورة الحقيقية للأطماع الإسرائيلية بلبنـــان، حيث نشرت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية مقالاً للكاتب الإسرائيلي مارك فيش وصف فيه لبنان بأنه جزء مما أسماها «أرض إسرائيل الموعودة» على حد وصفه.
زد على ذلك الطمع الإسرائيلي بمياه لبنان، حيث احتلت المياه موقعاً مركزياً في الفكر الإسرائيلي يكاد يصل إلى مرتبة العقيدة، ولرغبتها في وضع اليد على المياه العربية فإن إسرائيل حرصت على إقامة توازن وتلازم بين خريطة أمنها وخريطة مياهها، ولو بحثنا عن جذور هذا التصميم أو الإصرار على امتلاك الأرض والمياه بأي ثمن، لوجدنا أنها تعود إلى «عقيدة الأرض والماء».
أخيراً، يمكن القول: إن المطالبة بانسحاب اليونيفيل من جنوب لبنان تثبت النوايا العدوانية والتوسعية لإسرائيل، وإن إسرائيل ماضية في تجاهلها للقانون الدولي.
[email protected]
https://tinyurl.com/nhedpn9x