د. صلاح الغول*
بُعيد شن العدوان الإسرائيلي على لبنان، الذي يدخل أسبوعه الرابع، وجه صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بتقديم حزمة مساعدات إنسانية إغاثية عاجلة إلى الشعب اللبناني، بقيمة 100 مليون دولار. وكانت طائرة الإغاثة الإماراتية، التي انطلقت من مطار آل مكتوم في دبي، وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، وتحمل عشرات الأطنان من الإمدادات الطبية العاجلة، هي الأولى التي تحل سلاماً وعافيةً في مطار بيروت، في 4 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ضمن حملة إغاثية تتواصل من كافة شعبيات ومدن الإمارات إلى الأشقاء اللبنانيين. كما أمر سموّه بتقديم حزمة مساعدات عاجلة، بقيمة 30 مليون دولار، إلى النازحين اللبنانيين في سوريا.
ثم ما لبثت أن انطلقت، بتوجيهات ورعاية وإشراف مباشر من قيادتنا الرشيدة، حملة «الإمارات معكِ يا لبنان» المجتمعية، التي استطاعت، في أسبوعها الأول، جمع أكثر من 110 ملايين درهم، لتوفير المساعدات الإنسانية العاجلة للأشقاء اللبنانيين الذّين يختبرون أزمةً إنسانية مركبة في ظل عدوانٍ إسرائيلي جواً وبراً وبحراً، في الجنوب وفي الوسط وحتى الشمال، وإرهابٍ صهيوني يطال كل المدنيين عبر استهداف بالصواريخ والمسيرات وسلسلة الاغتيالات والأعيان المدنية والمؤسسات التعليمية والصحية ودور العبادة.
ودائماً كانت دولة الإمارات حاضرة إلى جانب الأخوة اللبنانيين، منذ الحرب الأهلية (1975-1990) إلى كارثة مرفأ بيروت عام 2020، مروراً بدورها المحمود في إزالة الألغام في جنوب لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2002.
وهكذا تتواكب وتتواصل المبادرات الإنسانية، وعلى رأسها تراحم من أجل غزة، والإمارات معك يا لبنان، لترسيخ صورة الإمارات كونها «دولة إنسانية»، تُضمِّن نظامها العقيدي قيماً إنسانية عامة غير محملة بإيحاءات أيديولوجية، وتصيغ توجهاتها الخارجية في إطار الدائرة الإنسانية، وتولي القضايا الإنسانية الكبرى اهتماماً مكثفاً، وتتصور لنفسها دوراً إنسانياً في المنطقة والعالم، وتتابع دبلوماسية إنسانية وضع قواعدها القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ومكّن لها خلفه ونجله الأكبر الشيخ خليفة، رحمه الله، ويُصدر قيمها الإنسانية بكثافة إلى الخارج صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد، حفظه الله.
والحقيقة أنّ البعد الإنساني يُعد توجهاً أصيلاً للسياسة الخارجية الإماراتية، ف «الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل الخلافات كافة» هو المبدأ العاشر من مبادئ الخمسين.
وقد بيّن صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد، في أكثر من مناسبة، أنّ دولة الإمارات، فيما يتعلق بتقديم المساعدات الخارجية، تواصل «نهج المغفور له الوالد الراحل الشيخ زايد بن سلطان
آل نهيان، الذي جعل الجانب الإنساني بعداً أصيلاً في السياسة الخارجية الإماراتية».
وفي هذا الخصوص، يؤكد سموّ الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، في إحدى مقالاته بصحيفة الاتحاد، أنه منذُ تأسيس دولة الإمارات، «ومواطَنتُنا في العالم والتزامنا النَشط بمسؤوليتنا تجاه قضايا الإنسانيةِ الكبرى تكتسِبُ احتراماً وإقراراً دولياً».
ويستند الدور الإنساني لدولة الإمارات إلى إطارٍ فلسفي، يُلخص معالم النموذج الإماراتي في التنمية والعُمران. ويجمع هذاْ النموذج مُركباً مبتكراً من عناصر إنسانية عالمية، تتجسد في مبدأي التضامن الإنساني والتعددية الثقافية، ومقومات إسلامية موجِهة تُشدد على التكافل الإنساني والتضامن الإسلامي، وقيم قبلية أصيلة تجعل من الكرم والإيثار، وعدم التخلي عن الإخوان والأصدقاء وقت الشدة، والتكاتف والشهامة التي تُعتبر من أهم معايير الشرف القبلي.
وقد أدركت دولة الإمارات أهمية الدبلوماسية الإنسانية كأحد مصادر القوة الناعمة للدولة. فالمساعدات الخارجية لديها القدرة على تشكيل صورة الدولة في الخارج، والتواصل مع الجيران والإقليم الواسع، عن طريق إرسال رسائل إيجابية للصداقة والشراكة. فكون الإمارات، بمعايير الجغرافيا والديمغرافيا، دولة متوسطة، فإنّ آفاق إسهامها في تطور المنطقة والعالم ليست كبيرة. ولذلك، كان اختيار القيادة الرشيدة التركيز على القوة الناعمة سبيلاً للإسهام في التنمية على المستوى الكوني، وتأسيس دور دولي «إنساني» للدولة.
ولا تكتفي دولة الإمارات بدورها الإنساني في الصراعات والأزمات الإقليمية، وإنما تُراكمه بدورٍ دبلوماسي نشِط في إطار دبلوماسية ثنائية ومتعددة الأطراف، تهدف إلى وقف إطلاق النار في غزة ولبنان والسودان، والحؤول دون سقوط المنطقة في هاوية الحرب الإقليمية واسعة النطاق، التي تدفع إليها دفعاً خطِراً سياسات أكثر الحكومات يمينية وتطرفاً في إسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي يُمعن في القتل والتدمير في القطاع المنكوب وبلاد الأرز. والحاصل أنّ سياسة حافة الهاوية الإسرائيلية، التي حذرنا منها في مقالٍ سابق، واستراتيجية نتنياهو وجنرالاته المتمثلة في فتح جبهةٍ حربية بعد أخرى، لم تزل مشتعلة، تناقض مبادئ السياسة الخارجية الإماراتية القائمة على ترسيخ الاستقرار الإقليمي ودعم ازدهار الشعوب، وتصفير المشكلات في أكثر أقاليم العالم اضطراباً.
وستُواصل دولة الإمارات أداء دورها الريادي في دعم الشعبين الفلسطيني واللبناني، انطلاقاً من سِجلّ تاريخي، على مدى عقود، أرْسَته دولة الإمارات منذ قيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ولا يزال ركيزةً أساسية في سياسة الدولة الخارجية، مع العمل في الوقت نفسه على حل الصراعات، واستخدام العلاقات الإقليمية والدولية والنفوذ الدبلوماسي على مستوى العالم في وقف التصعيد بالمنطقة، للانتقال من مرحلة الصراع إلى مرحلة التنمية.
[email protected]
* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية