القمة الخليجية الأوروبية الأولى

00:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. خليل حسين
عقدت القمة الخليجية الأوروبية الأولى في بروكسل بتاريخ السادس عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، وسط ظروف إقليمية ودولية ضاغطة، والتي تتطلب المزيد من الجهود الفعالة للإسهام في الوصول الى حلول لأزمات عمرها عقود طويلة، انطلاقاً من وزن الدول المشاركة، أو انطلاقاً من مركز مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي.
وقد أتت القمة، تتويجاً للعلاقات الخليجية - الأوروبية التي تعود الى اتفاقية التعاون المبرمة في العام 1989، التي تعززت عبر الشراكة الاستراتيجية المُعلَنة في مايو/ أيار 2022، والتي تعتبر نقلة نوعية في تعزيز العلاقات بين الجانبين، وإطاراً يعكس التزام التعاون بين الجانبين بهدف مواجهة العديد من التحديات الإقليمية والدولية الراهنة، حيث ركّزت اهتمامات القمة على تقوية وتركيز التعاون السياسي، والاقتصادي والأمني، في ظل التغيرات العالمية، في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط وأوروبا اضطرابات سياسية وصراعات، تتطلَّب تدخلاً منسقاً من الجانبين لمواجهة التحديات المشتركة، وتعزيز الجهود الدبلوماسية لحماية الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.
وفي هذا الإطار ركزت القمة على معالجة القضايا الإقليمية القائمة، وفي طليعتها الحرب على قطاع غزة، ولبنان، وأمن البحر الأحمر ومضائق الخليج، إضافة الى مخاطر توسع الحرب في منطقة الشرق الأوسط، كما شملت المناقشات إعادة دعم التحالف الدولي لدفع عملية السلام لجهة حل الدولتين، الذي أعلن عنه مجلس التعاون الخليجي بالتعاون مع الدول العربية والإسلامية، والشركاء الأوروبيين، باعتباره دعامة رئيسة لإرساء الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
كما يعتبر الاتحاد الأوروبي استتباب الأمن والاستقرار في المنطقة أولوية في برامجه وتطلعاته، انطلاقاً من الحلول الدبلوماسية بهدف إيجاد الحلول لأزمات المنطقة، كما يعتبر أن عدم الاستقرار يشكل خطراً على الاقتصاد العالمي، وسلامة النقل البحري وبخاصة توريدات النفط وممراتها، إذ تمتد تداعيات أي اضطرابات خارج حدود المنطقة، لتؤثر على الاستقرار في مناطق أخرى من العالم، ما يبرز أهمية التعاون الإقليمي والدولي لضمان تعزيز الأمن والاستقرار في الخليج.
وفي ظل تزايد منسوب التهديدات الأمنية، يأتي التعاون الأمني بوصفه أحد أبرز محاور الشراكة بين الطرفين، إذ شكّل انعقاد المنتدى رفيع المستوى بين الطرفين في 22 أبريل/ نيسان 2024 الماضي في لوكسمبورغ، التزام الجانبين بتعزيز التعاون، بخاصة ما يتصل بمكافحة الإرهاب، وتأمين الملاحة البحرية والهجرة غير الشرعية. الذي جرى بناءً على قرار المجلس الوزاري المشترك لتأسيس منصة متقدّمة لتنسيق الجهود بشأن القضايا الإقليمية والدولية، بما في ذلك الانتشار النووي، والأمن البحري والسيبراني، ومكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة، والهجرة غير الشرعية وأمن الطاقة.
وفي الإطار الاقتصادي أتت القمة في توقيت يستدعي تعزيز التعاون في مجالات الطاقة، وبخاصة في ظل تحولات أسواق النفط العالمية، ويمثل الحوار الاقتصادي الذي يُعقَد بصفة منتظمة بين الجانبين منذ تأسيسه في العام 2003، إطاراً مهماً لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الطرفين، إذ يهدف الحوار القائم إلى تنفيذ برنامج العمل المشترك، الذي يشمل مناقشة القضايا الاقتصادية القائمة، إضافة إلى تنسيق السياسات في ظل التحديات الجيوسياسية، كما يشكل إطاراً لتنويع الاقتصاد، وتعزيز التبادل الاستثماري والتجاري، ودعم الاتجاه نحو الاقتصاد الأخضر، ويُشار هنا إلى أن الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربية يشكّلان معاً نحو 20% من الاقتصاد العالمي، كما يمثّلان أكثر من نصف الاستثمارات الأجنبية المباشرة على الصعيد الدولي.
كما يشار إلى أنه في العام 2020 تصدّر الاتحاد الأوروبي قائمة الشركاء التجاريين لمجلس التعاون الخليجي، حيث كان أكبر مصدِّر للواردات إلى المنطقة، وحلّ في المرتبة الرابعة بين الشركاء لجهة حجم الصادرات، كما استندت مناقشات القمة إلى مقررات الحوار الاقتصادي الثالث عشر الذي عُقد في الدوحة في سبتمبر/ أيلول 2024، والذي تطرق إلى القضايا الاقتصادية الأساسية والتحديات الجيوسياسية، كالأزمة الأوكرانية، والوضع في غزة ولبنان، إضافة للتركيز على حوكمة الاقتصاد، والتنوع الاقتصادي، إذ يحاول الطرفان تنويع اقتصاداتهما، عبر التركيز على استثمارات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، الأمر الذي يعكس الرغبة في بناء شراكات طويلة الأمد تتجاوز العلاقة التجارية التقليدية، إلى مجالات أوسع مثل الابتكار والتكنولوجيا، وتعكس استمرارية هذا الحوار التزام الجانبين بتحقيق التنمية المستدامة، باعتبارها ركيزة رئيسية للتعاون الاقتصادي.
لقد مثلت هذه القمة تتويجاً للعلاقات الخليجية الأوروبية المتنامية، ووضعت الأساس لمرحلة مقبلة من التعاون المتكامل الذي يشمل الجوانب السياسية، والأمنية، والاقتصادية، لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة، ويظل تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وأوروبا، من خلال شراكة استراتيجية متكاملة، هو الهدف المشترك الذي يسعى الطرفان إلى تحقيقه.
وفي واقع الأمر يعتبر لقاء القمة بين تجمعين إقليميين كبيرين وازنين في السياسات الدولية، مؤشراً لتطلعات إقليمية ذات أبعاد قارية ممتدة من خلال شراكات وازنة يمكن أن تؤدي إلى سياسات جديدة مختلفة تُسهم في تغيير الكثير من الصور القائمة حالياً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/zzx7zkbk

عن الكاتب

دكتوراه دولة في القانون الدولي .. رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية في الجامعة اللبنانية واستاذ القانون الدولي والدبلوماسي فيها .. له أكثر من 40 مؤلفاً ومئات المقالات والدراسات البحثية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"