إعداد: محمد كمال
كان من الممكن لإسرائيل إجراء اختبارات التأكد من مقتل يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحماس، عن طريق إرسال عينات الحمض النووي الخاص به من رفح جنوب قطاع غزة إلى معاملها، لكن قادتها قرروا نقل الجثمان إلى إسرائيل، وعلى ما يبدو فإن هذا لم يكن يتعلق بإجراء الاختبارات فقط، إذ أشار خبراء إلى أفكار متداولة داخل الحكومة الإسرائيلية لجعل هذا الإجراء مساراً تفاوضياً لإطلاق سراح الرهائن الموجودين في غزة.
وبينما كان مقتل السنوار هدفاً أساسياً لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو منذ بدء حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، فإن تحرير الرهائن المحتجزين في القطاع يبدو أنه يشغل بال الشارع الإسرائيلي، ومن ثم ظهرت مقترحات في إسرائيل بإمكان استغلال جثمان السنوار كورقة في صفقة تبادلية مع المحتجزين، وإن كانت هذه تعد مجازفة غير مضمونة، حيث أكدت حركة حماس في بيان إعلان وفاة السنوار أنه لا إفراج عن الأسرى إلا بوقف القتال والعمليات العسكرية في غزة.
أين جثمان السنوار حالياً؟
وبحسب ما كشفته مصادر إسرائيلية فقد جرى نقل جثمان يحيى السنوار إلى منشأة سرية في إسرائيل بعد تشريح الجثة، وفق ما ذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت، لكن في هذه المرحلة، ليس من الواضح ما الذي سيتم فعله بجسده وما إذا كان سيتم استخدامه كورقة في أي مفاوضات مستقبلية، والتي قد تشمل أيضاً صفقة لإعادة الرهائن من غزة.
المصادر الإسرائيلية أكدت أن تشريح جثمان السنوار كشف عن إصابته برصاصة في الرأس، كما أن جسده يحمل علامات الإصابة بالرصاص، بينما كان وزن جسمه طبيعياً، فيما لم يتضح بعد ما إذا كان قد تناول أي أدوية قبل مقتله.
ووفق الرواية الإسرائيلية، فإن السنوار قتل بعد مواجهة عرضية، دون معلومات استخباراتية مسبقة، مع جنود الجيش الإسرائيلي في تل السلطان للاجئين في رفح، وهي المنطقة نفسها التي قتل فيها ستة رهائن إسرائيليين في نهاية أغسطس، كما عثر معه على سترة ومسدس و40 ألف شيكل، في أحد المنازل دون رهائن، على عكس ما كان يعتقد في إسرائيل من أنه يختبئ داخل أحد الأنفاق.
وثمة اعتقاد في إسرائيل أنه بعد مقتل السنوار، فمن الممكن تسهيل إتمام صفقة رغم أنها قد تكون طويلة ومعقدة وغير مضمونة، وإن كان ذلك رهينة إطلاق مسار تفاوضي من جديد، وهو ما قالت الولايات المتحدة إنه يمكن حدوثه قريباً، فيما قال نتنياهو إن هذه الحرب يمكن أن تنتهي إذا ألقت حماس سلاحها وأعادت الرهائن.
ويشير عوفر شيلاخ، كبير الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إلى أن الوقت الحالي حرج لصفقة الرهائن. ويضيف: «إن مثل هذه الصفقة، بمشاركة دولية، من شأنها أن توفر بديلاً لحماس غير الحكم الإسرائيلي على غزة، وتخلق في الوقت نفسه صورة انتصار لإسرائيل».
مسعى دولي
وبعد يوم من علمهم بوفاة زعيم حماس يحيى السنوار، سعى دبلوماسيون وحكومات الجمعة إلى الاستفادة من القتل غير المتوقع كفرصة لاستئناف المحادثات المحتضرة لوقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن، وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن، إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن سيصل إلى إسرائيل في غضون أيام في محاولة أخرى لدفع العملية إلى الأمام، في حين قالت نائبة الرئيس كامالا هاريس في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، إن وفاة السنوار «تمنحنا فرصة لإنهاء النزاع أخيراً».
وفي إسرائيل تحول الابتهاج بمقتل السنوار إلى تكهنات، وفق ما أوردته صحيفة واشنطن بوست، وجددت عائلات الرهائن، إلى جانب جزء كبير من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، مساعيهم من أجل التوصل إلى نهاية للقتال عن طريق التفاوض، وإطلاق سراح 101 رهينة يعتقد أن بضع عشرات منهم فقط ما زالوا على قيد الحياة.
ويقول الكاتب ناحوم بارنيا في صحيفة يديعوت أحرونوت: «هذا هو الوقت المناسب لإطلاق خطوة دبلوماسية.. لدى إسرائيل ما تقدمه: إنهاء الحرب على الجبهتين. كما أن لديها شيئاً تريده في المقابل»، في إشارة إلى تحرير الرهائن.
ولم تكن هناك أي علامات عقب مقتل السنوار على التراجع، فقد نشر الجيش الإسرائيلي صوراً على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر المزيد من القوات تدخل شمال غزة، حيث صعدت إسرائيل هجماتها حول مخيم جباليا للاجئين، فيما شددت حماس موقفها الرافض لإطلاق الرهائن إلا وفق شروط من بينها إنهاء العملية العسكرية في غزة.
محمد السنوار والحية
ويصف المحللون مقتل العديد من قادة حماس، بمن في ذلك يحيى السنوار، بأنه ضربة قوية، لكنهم يتوقعون أن تستمر في القتال وعدم انهيار حماس.
ومن بين الشخصيات البارزة التي قُتلت منذ يناير/كانون الثاني صالح العاروري، ومحمد ضيف، وإسماعيل هنية، لكن محللين يعتقدون وفق صحيفة نيويورك تايمز أنه من الصعب على الحركة تعويض السنوار، واعتبروا أن مقتله «ليس بالأمر السهل».
واستهدفت إسرائيل العشرات من قادة حماس وقتلت عدة آلاف من مقاتليها منذ تأسيس الجماعة في ثمانينات القرن الماضي، ولم تمنع هذه الضربات حماس قط من العودة إلى نشاطها، وبقدر أكثر شراسة في بعض الأحيان، وفق التقرير.
وفي حين أن إسرائيل لم تكشف عن نوايا واضحة بشأن كيفية إنهاء الحرب، واليوم التالي في غزة، فقد تعهدت بمنع حماس من استئناف أي دور في الحكم. ومع ذلك، واصلت حماس القتال، وكثيراً ما عادت إلى الظهور وشن هجمات جديدة في المناطق التي ادعت إسرائيل أنها طهرتها.
وقال رمزي مارديني، الباحث في معهد بيرسون بجامعة شيكاغو: «تخوض حماس هذه الحرب منذ عام في مكان مغلق للغاية، وتقاتل في وحدات صغيرة جداً مكونة من عشرة مقاتلين أو أقل يتمتعون بقدر كبير من الاستقلالية». وأضاف أنه من غير المرجح أن يؤثر موت السنوار في تلك العمليات. لكن السنوار كان أساسياً في قرارات حماس رفيعة المستوى، مثل الموافقة على وقف إطلاق النار، واعتبره المسؤولون المشاركون في تلك المحادثات متشدداً، وكان احتمال التوصل إلى تسوية معه أقل من رفاقه خارج غزة.
وليس من الواضح متى ستعلن حماس خليفة لها، أو كيف سيؤثر هذا التغيير في الموقف التفاوضي للحركة، في الوقت الذي قال دبلوماسي غربي إنه في غزة، قد يتم استبدال السنوار بشقيقه محمد، وهو شخصية بارزة في الجناح العسكري للحركة، بينما أكد أن الخليفة المنطقي كرئيس للمكتب السياسي سيكون خليل الحية، نائب السنوار. ومن بين الشخصيات البارزة الأخرى المتبقية في حماس خالد مشعل وموسى أبو مرزوق، وكلاهما رئيس سابق للمكتب السياسي.
ويقول حسن أبو هنية، الخبير في شؤون الجماعات المسلحة: «جذر المشكلة ليس السنوار أو حتى حماس.. المشكلة هي في اليوم التالي»، في إشارة إلى أن لُبّ المشكلة يتعلق بمسألة حل الدولتين.