إعداد: فوّاز الشعّار
لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
في رحاب أمّ اللغات
من جميلِ تعبير الشعراء، عن حبّهم للعِلم، قولُ محمود سامي البارودي:
بِقُوّة ِ العِلْمِ تَقْوى شَوْكةُ الأُمَمِ
فالحُكْمُ في الدَّهْرِ مَنْسُوبٌ إِلَى القَلَمِ
كَمْ بَيْنَ ما تَلْفِظُ الأسيافُ منْ عَلَقٍ
وبَيْنَ مَا تَنْفُثُ الأَقْلامُ مِنْ حِكَمِ
لَوْ أَنْصَفَ النَّاسُ كَانَ الفَضْلُ بَيْنَهُمُ
بِقَطْرَةٍ مِنْ مِدادٍ لا بِسَفْكِ دَمِ
وقولُ إيليّا أبي ماضي:
لاحَ الجَمالُ لِذي نُهىً فأحَبَّهُ
ورآهُ ذو جَهْــلٍ فَظَــنَّ ورَجَّما
لا تَطْلُبَـنَّ مَحَبَّةً مِــنْ جاهِلٍ
المَـرْءُ لَيْسَ يُحِبُّ حتّـى يَفْهْما
دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر
أصابك عِشْقٌ
يزيد بن معاوية
(بحر الطويل)
أصابَكَ عِشْقٌ أمْ رُميتَ بأسْهُمِ
وما هذه إلّا سَجِيّة مُغْرَمِ
على شاطئِ الوادي نَظَرْتُ حَمامَةً
أطالَتْ عَليّ حَسْرتي والتّنَدُّمِ
خُذوا بِدَمي ذاتَ الوِشاحِ فإنّني
رَأَيْتُ بِعَيْني في أنامِلِها دَمي
ولا تَحْسبوا أنّي قُتِلْتُ بِصارمٍ
ولكنْ رَمَتْني مِن رُباها بِأسْهُمِ
أغارُ عَلَيْها مِن أبيهـــا وأُمِّها
ومِنْ خَطْوةِ المِسْواكِ إنْ دارَ في الفَمِ
أغارُ على أعْطافِها مِنْ ثِيابها
إذا لَبِسَتْها فَوْقَ جِسْمٍ مُنَعَّمِ
لها حُكْمُ لُقْمانٍ وصُورَةُ يوسُفٍ
ونَغْمَةُ داوودٍ وعِفَّةُ مَرْيَمِ
ولي حُزنُ يَعْقوب ووَحْشةُ يونُسٍ
وآلامُ أيّوبٍ وحَسْــرةُ آدَمِ
من أسرار العربية
في أوزان الأفعال والمصادر:
«فَعَلان» يدلُّ على الحَركةِ والاضطرابِ، مثلِ: النَّزَوان (الوَثَبانُ) والغَلَيان والهَيَجان... «فَعْلانَ» يدلُّ على صفاتٍ تقعُ من أحوال كالعَطْشان والغَرْثان (الجائع) والشَّبْعان والرَّيان والغَضْبان... «أفعَل» يدلُّ على صفاتٍ بالألوان، نحو: أبْيض وأحْمر وأسْود وأصفر وأخضر وأزرق.. والعُيوب تكون على «أفعل» نحو: أحْوَل وأعْوَر وأعْرَج وأخْنَف.. و«فُعال» يدلُّ على الأمراض، كالصُّداع والزُّكام والسُّعال... والأصوات أكثرُها على هذا، نحو: الصُّراخ والنُّباح والرُّغاء (صَوْتُ ذواتِ الخُفِّ) والثُّغاء (صَوْتُ الشّاء والمَعَز) والخُوار (صَوْتُ البقر).
ومنها على وزن «فَعيل» نحو: الضَّجيج والهَرير والصَّهيل والزَّئير والنَّعيق والنَّعيب والخَرير والصَّرير.
هفوة وتصويب
يقول بعضُهم: «وكانَ الضَّوءُ مُبْهراً» بمعنى: قوياً ساطعاً. وهي خطأ، والصّوابُ: «باهراً»، لأنّ «مُبْهِراً» اسمُ فاعلٍ من الرباعي «أبْهَرَ» والإبهار الاتّساع. أما «بَهَرَ» واسمُ فاعلِها «باهِر» فمن قولِهم: بَهَرَ القمرُ النّجومَ بُهُوراً: غَمَرَها بضوئه.
وكثر لا يفرّقون بين «نَفِدَ» بالدال و«نَفَذَ» بالذل، والصّواب: نَفِدَ الشيءُ نَفَداً ونَفاداً: فَنِيَ وذهَب. وأنفدَ القومُ إِذا نَفِدَ زادُهم أَو نَفِدَتْ أَموالُهم؛ قال ابنُ هَرمة:
أَغَرّ كَمِثْلِ البَدْرِ يَسْتَمْطِرُ النَّدَى
ويَهْتَزُّ مُرْتاحــــاً إِذا هــــو أَنْفَــــــدا
أما «نَفَذَ» فمعناها مضى.. والنَّفاذُ: الجَوازُ، ورجل نافِذٌ في أَمره، ونَفُوذٌ ونَفَّاذٌ: ماضٍ في جميع أَمره، وطَعْنةٌ لها نَفَذٌ، أي نافِذَةٌ؛ قال قيس بن الخطيم:
طَعَنْتُ ابنَ عبدِ القيسِ طَعْنَةَ ثائرٍ
لها نَفَذٌ لولا الشُعاعُ أضـاءَهـا
من حكم العرب
ومَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسِبْ عَدُوّاً صَديقَهُ
ومَنْ لا يُكَرِّمْ نَفسَهُ لا يُكَرَّمِ
ومَهما تَكُنْ عِندَ امْرِئٍ مِن خَليقَةٍ
وإِن خالَها تَخْفى عَلى النّاسِ تُعْلَمِ
البيتان لزهير بن أبي سُلمى، يقول إن حسن الظن في أمور الدنيا، واحترام الذات والثقة بالنفس، من الضرورات، حتى تسير الأمور بهدوء وطمأنينة، حتى لو كان الإنسان متغرّباً عن بيته الأصلي.
https://tinyurl.com/2cfdrbb3