هدأ قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تخفيض أسعار الفائدة الفيدرالية بواقع 50 نقطة أساس، المخاوف من الركود الكامل في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن المخاوف الشديدة من التضخم إلى جانب البيانات المتتالية للبطالة تجلب مرة أخرى شبح الركود الوشيك إلى الطاولة. فهل سيشهد الاقتصاد الأمريكي ركوداً أم أنه متجه نحو الهبوط الناعم، كما يتوقع جميع الخبراء، خصوصاً مع تراجع التضخم نحو هدف «الاحتياطي الفيدرالي» البالغ 2%؟.
مؤشرات عديدة دفعت آراء الخبراء والمحللين إلى المراوحة بين اتجاه الاقتصاد نحو الركود أو نحو الهبوط السلس. ومن بين هذه المؤشرات، ما تشهده سوق السندات، حيث تراجعت الفجوة بين عائدات سندات الشركات وسندات الحكومة الأمريكية إلى أدنى مستوياتها في 20 عاماً، مع تزايد رهان المستثمرين على حدوث «هبوط ناعم».
وانخفض الفارق، أو تكلفة الاقتراض الإضافية، الذي تدفعه الشركات ذات الدرجة الاستثمارية مقارنة بالحكومة الأمريكية إلى 0.83 نقطة مئوية فقط هذا الأسبوع، وهي الأقل منذ مارس 2005.
أما الفارق في السندات بالنسبة للمقترضين في سوق السندات ذات العائد المرتفع أو «السندات غير المرغوب فيها»، فيبلغ 2.89 نقطة مئوية فقط، وهو أدنى مستوى منذ منتصف 2007، وفقاً لبيانات «آي سي إي بنك أوف أمريكا».
والسندات ذات العائد المرتفع، والمعروفة أيضاً باسم السندات غير المرغوب فيها، هي سندات تصدرها شركات ذات مخاطر أعلى للتخلف عن السداد. وتوفر هذه السندات عوائد أعلى من السندات ذات الدرجة الاستثمارية للتعويض عن المخاطر الأعلى.
والعوائد المرتفعة تجعل من هذه السندات خياراً استثمارياً جذاباً بالنسبة للذين يتطلعون إلى تحقيق عوائد عالية، ولكن هذا النوع من السندات لديه مخاطر عالية جداً يجب على المستثمر معرفتها قبل إقدامه على هذه الخطوة.
الفجوة بين عائدات سندات الشركات وسندات الحكومة الأمريكيةتراجع الفجوة بين عائدات سندات الشركات وسندات الحكومة الأمريكية، الذي يمثل مؤشراً على خطر التخلف عن السداد، يؤدي إلى اعتقاد المستثمرين بأن الاحتياطي الفيدرالي قادر على النجاح في ترويض التضخم دون التسبب في أي ركود يمكن أن تعاني خلاله الشركات في سداد ديونها. أما بعض مديري الصناديق فإنهم يخشون من أن يكون هذا السوق قد يشعر برضا مبالغ فيه حيال المخاطر الأخرى أو الاضطرابات المحتملة في الأسواق بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل. |
- الحيازات الأجنبية من السندات
ارتفعت حيازات الأجانب من سندات الخزانة الأمريكية بمقدار 164.9 مليار دولار لتتجاوز 8.5 تريليون دولار في أغسطس، وهو أعلى مستوى في السلسلة الزمنية التي تعود لعام 2000.
وارتفعت الحيازات الأجنبية من سندات الحكومة الأمريكية عند مستوى قياسي للشهر الرابع على التوالي في أغسطس، بدعم من تعزيز بعض الدول لحيازتها، في مقدمتها جزر كايمان وفرنسا.
وأنهى المستثمرون اليابانيون سلسلة خفض حيازاتهم من ديون الحكومة الأمريكية والتي استمرت 4 أشهر، لتظل اليابان أكبر دائن أجنبي لحكومة الولايات المتحدة، بعد تعزيز حيازتها بنحو 13.5 مليار دولار إلى 1.13 تريليون دولار.
بينما خفضت الصين حيازتها من سندات الولايات المتحدة بمقدار 1.9 مليار دولار إلى 774.6 مليار دولار، لكن ثاني أكبر اقتصاد في العالم يظل في المرتبة الثانية بين الدول الدائنة للولايات المتحدة.
وظلت المملكة المتحدة في المرتبة الثالثة، بدعم من ارتفاع حيازتها من الديون الأمريكية بنحو 15.6 مليار دولار إلى 743.9 مليار دولار، وهو مستوى قياسي مرتفع.
وعززت بعض الدول حيازتها لمستويات قياسية، حيث أضافت جزر كايمان لحيازتها 41.4 مليار دولار عند 419.5 مليار دولار، وزادت مشتريات فرنسا بنحو 21.3 مليار دولار إلى 312.2 مليار دولار.
- البطالة والوظائف
ووفقاً للاستراتيجي بول ديتريش، فإن مستويات البطالة تسير بمعدل محفوف بالمخاطر للغاية في هذه المرحلة وقد تفاجأ الولايات المتحدة بسهولة بالوصول المفاجئ للركود، من دون وجود ما يوقفه بمجرد ضعف بيانات الوظائف بشكل حاد في الخلفية.
وبحسب ديتريش، فإن مفهوم أمريكا لنمو سوق العمل ليس على المسار الصحيح حالياً، حيث لم يتم تحقيق بعض فرص سوق العمل التي تم التخطيط لها خلال فترة كوفيد إلا مؤخراً، وقد تم تحقيقها أخيراً هذا العام، ما قد يكون تسبب في ارتفاع في بيانات سوق العمل.
وأعلنت وزارة العمل الأمريكية، الخميس الماضي، تراجع عدد طلبات إعانة البطالة خلال الأسبوع الماضي بمقدار 19 ألف طلب، ليصل الإجمالي إلى 241 ألف طلب، في خطوة خالفت التوقعات السابقة للمحللين التي كانت تشير إلى تسجيل 259 ألف طلب.
ووفقاً لتقرير عن مكتب إحصاءات العمل التابع لوزارة العمل، فقد توسعت قوائم الرواتب غير الزراعية بمقدار 142 ألف وظيفة خلال شهر أغسطس، بانخفاض عن 89 ألف وظيفة في يوليو وأقل من توقعات إجماع داو جونز البالغة 161 ألف وظيفة.
- الانتخابات الرئاسية
أما الانتخابات الرئاسية، فإنها تعد أكبر محفز محتمل للركود، وهو ما عبر عنه مؤخراً المستثمر الأمريكي الشهير راي داليو، الذي أبدى مخاوفه إزاء انتقال السلطة ومدى تقبل جمهور الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) لنتائج الانتخابات.
وقال داليو مؤسس «بريدج ووتر أسوشيتس» خلال منتدى «فيوتشر تشاينا جلوبال» في سنغافورة: «إذا خسر المرشح الجمهوري دونالد ترامب الانتخابات بفارق ضئيل، فهناك احتمالية للطعن في النتائج».
وتلعب حالة عدم اليقين المحيطة بالانتخابات الأمريكية دوراً كبيراً في دعوة الركود الأمريكي المحتمل، في نوفمبر. نظراً لعدم وجود فهم واضح للمرشح الرئاسي الذي يتمتع بأفضلية في استطلاعات الرأي، فإن الضغط الناتج عن كل هذا يقع على الأسواق وسيناريو الوظائف، والذي قد يصبح عاملاً محفزاً للركود الأمريكي الوشيك.
- العجز المالي
ومن بين المؤشرات التي تلعب دوراً كبيراً في التأثير في مسار الاقتصاد، اتساع العجز المالي للحكومة إلى 1.8 تريليون دولار في سبتمبر، بزيادة 138 مليار دولار على العام السابق، وهو ثالث أعلى مستوى على الإطلاق.
وأظهرت بيانات وزارة الخزانة الأمريكية الخميس الماضي أيضاً، تحقيق فائض في موازنة الحكومة الفيدرالية قدره 64.3 مليار دولار خلال شهر سبتمبر، مقارنة بعجز 380.1 مليار في أغسطس، ليتجاوز التوقعات بفائض قدره 43.5 مليار دولار.
وكنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، بلغ العجز نحو 6.4% خلال السنة المالية المنتهية حديثًا، مقارنة ب 6.2% في السنة المالية 2023.
وارتفعت الإيرادات الحكومية خلال العام 10.8% على أساس سنوي إلى 4.9 تريليون دولار (17.1% من الناتج المحلي الإجمالي)، مع ارتفاع حصيلة ضرائب الدخل والشركات.
وقفزت النفقات بنسبة 10.1% إلى 6.8 تريليون دولار (23.4% من الناتج المحلي الإجمالي)، بضغط من تسجيل مدفوعات خدمة الدين 1.1 تريليون دولار، وهي المرة الأولى التي تتجاوز فيها حاجز التريليون دولار.
- الدين الحكومي
وارتفع الدين الحكومي إلى 35.7 تريليون دولار، وهو ما يمثل زيادة قدرها 2.3 تريليون دولار منذ نهاية السنة المالية 2023.
وأحد العوامل التي أدت إلى تفاقم صورة الدين والعجز هو أسعار الفائدة المرتفعة نتيجة لسلسلة الزيادات التي أجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي لمكافحة التضخم.
ويتوقع مكتب الميزانية في الكونغرس أن يستمر العجز في الارتفاع، ليصل إلى 2.8 تريليون دولار بحلول عام 2034. وعلى جانب الديون، يتوقع المكتب أن ترتفع من المستوى الحالي بالقرب من 100% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 122% في عام 2034.