تحقيق: راندا جرجس
تتموضع اللوزتان على شكل مجموعتين من الأنسجة البيضاوية الشكل في جانبي الحلق، حيث توجد لوزة واحدة على كل جانب، تتمثل وظيفتهما في التقاط الجراثيم ومنع دخولها عبر القناة التنفسية، وإفراز أجسام مضادة لمحاربة العدوى التي تهاجم الجسم، وتقع اللحمية خلف الأنف لحماية مجرى التنفس، ويتكونان من نسيج ليمفاوي يمثل جزءاً من دائرة ليمفاوية في الحلق والبلعوم الأنفي، وعلى الرغم من فائدتهما في أداء مهامهما بشكل طبيعي لصحة الطفل، إلا أن إصابتهما بالتهاب مزمن تجعلهما بيئة لتكاثر الجراثيم التي يصعب مكافحتها، وفي بعض الأحيان يشكلان بؤرة صديدية وميكروبية لإفراز السموم بالجسم. وفي السطور القادمة يسلط الخبراء والاختصاصيون الضوء على هذا الموضوع تفصيلاً.
تقول د. فرح الجبوري، استشارية طب الأطفال: «التهابات اللوزتين تحدث عادة لأسباب فيروسية منتشرة مثل: البرد أو الإنفلونزا، ويمكن أن تحدث أيضاً نتيجة عدوى بكتيرية، وتُعد أكثرها شيوعاً العقدية المجموعة (أ)، وتؤدي إلى التهاب الحلق العقدي، إضافة إلى بعض العوامل الأخرى التي تزيد من خطر الإصابة، كالاتصال الوثيق بالأشخاص المصابين، والتواجد في بيئة مزدحمة كالمدارس أو مراكز الرعاية النهارية، وضعف الجهاز المناعي».
وتتابع: «تنتشر الإصابة بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و15 عاماً، نتيجة تعرضهم المتكرر للبكتيريا والفيروسات في المدرسة وغيرها من البيئات الاجتماعية، وتكون أكثر خطراً لدى الذين يعانون من الحساسية، أو التهابات الجهاز التنفسي العلوي المتكررة، أو من يتعرضون للتدخين السلبي».
توضح د. فرح الجبوري أن مؤشرات وأعراض التهاب اللوزتين تتضمن احمرارهما وتورهما، وتكوّن طبقة بيضاء أو صفراء أو ظهور لطخات على اللوزتين، والتهاب الحلق، وصعوبة بلع الطعام، وارتفاع شديد في درجة حرارة الجسم، وسيلان اللعاب، وتضخم وألم في العقد اللمفاوية الموجودة بالرقبة، وصداع، وتغير في الصوت، ورائحة الفم الكريهة، ويعاني بعض الأطفال من ألم في المعدة.
الفحص السريري
تذكر د. سودها راو، أخصائية طب الأطفال، أن «تشخيص التهاب اللوزتين عند الأطفال يعتمد على الفحص السريري والأعراض والاطلاع على التاريخ الطبي وخاصة التهاب الحلق والحمى، وإجراء الفحوص المختبرية، كمسحة الحلق لاختبار البكتيريا العقدية السريع».
وتضيف: «يمكن أن يؤدي التهاب اللوزتين عند الصغار إلى العديد من المضاعفات إذا لم تتم إدارة علاج الحالة بشكل صحيح وخاصة العقدية، حيث يعاني الطفل المصاب نوبات متكررة من الالتهاب، أو تجمع صديد بالقرب من اللوزتين وتسمى (كوينسي أو الخراج البريتونسيلار)، وفي بعض الحالات ينتشر الألم والالتهاب إلى الأذن الوسطى، وإلى الجزء الناعم من الرقبة، ما يسبب حدوث خرّاج خلف البلعوم، أو يسبب الالتهاب الرئوي، ما يؤدي إلى صعوبة شديدة في التنفس، وتتمثل المخاطر الأشد في الحمى الروماتيزمية التي تهدد الحياة في القلب، وأيضاً التهاب كبيبات الكلى».
وتتابع: «يؤدي عدم استئصال اللوزتين عند الأطفال الأكبر سناً وخاصة المصابتين بالتهاب مزمن أو المتضخمتين، إلى عدة مضاعفات، ومن بينها انسداد مجرى الهواء وبالتالي انقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم، وتتسبب هذه الحالة في الأرق والنعاس أثناء النهار، والغياب المتكرر عن المدرسة وصعوبة التركيز، ومشاكل دراسية، وينجم عنها أيضاً اضطرابات سلوكية وتغيرات في المزاج العام، وفشل النمو، ورائحة الفم الكريهة، ومقاومة المضادات الحيوية بسبب الاستخدام المتكرر، وصعوبة مستمرة في البلع، خلال مرحلة البلوغ».
وتلفت د. سودها راو إلى أن «علاج التهاب اللوزتين يعتمد على الرعاية، وتناول الأدوية، والتدخل الجراحي لاستئصالها بين سن 3 و7 سنوات، للذين يعانون من نوبات متكررة (7 حالات عدوى أو أكثر في عام واحد، أو 5 حالات في السنة لمدة عامين متتاليين، أو 3 في السنة)، كون معظم الحالات تكون ناجمة عن الفيروسات، كما يفيد الحصول على الراحة والترطيب الكافي الذي يساعد على تهدئة الحلق ومنع الجفاف، ويخفف تناول الأطعمة السهلة البلع والباردة مثل الآيس كريم أو الزبادي أو السوائل الدافئة من الانزعاج الناتج عن الأعراض والألم».
وتضيف: «تساهم الأدوية في تقليل آلام الحلق والحمى المرافقة لهذه الحالة، ويمكن وصف المضادات الحيوية للإصابة المرتبطة بالمجموعة (أ) من المكورات العقدية، وتجدر الإشارة إلى أن استئصال اللوزتين محفوف بالمخاطر عند الصغار دون سن 3 سنوات، لأنهم يكونون أكثر عرضة للإصابة بمضاعفات، كزيادة خطر النزيف، والجفاف».
دفاع عن الجسم
يشير د. محمد شواخ، أخصائي طب الأنف والأذن والحنجرة، إلى أن اللحمية هي نسيج لمفاوي يتموضع في المنطقة الموجودة في مؤخرة الأنف التي يُطلق عليها اسم «البلعوم الأنفي»، وتتمثل وظيفتها الأساسية في الدفاع عن الجسم، وهي تعد جزءاً من الجهاز المناعي، كما هو الحال مع اللوزتين، حيث تشكل عائقاً أمام دخول البكتيريا أو الفيروسات أو الجراثيم إلى الجسم، وتختفي اللحمية في بعض الأحيان في عمر ال12 عاماً ويبقى جزء بسيط منها، وأكبر نمو لها يكون بين عمر 4 إلى 6 سنوات، وأحياناً يزداد حجمها ليشكل عائقاً انسدادياً لمجرى الأنف.
ويذكر أن أهم أسباب تضخم اللحمية يتمثل في الالتهابات المتكررة وتعرض الجسم لعوامل خارجية من فيروسات أو بكتيريا أو المؤرجات «المُحسسات» في بعض الأحيان، ما يؤدي إلى حدوث تهيج وازدياد حجمها، ويلعب التاريخ العائلي دوراً كبيراً في ظهور هذه المشكلة، وتشمل الأعراض: الشخير أو انقطاع التنفس أثناء النوم، وصعوبة البلع، وجفاف الفم، وتشقق الشفتين، والتهاب الحنجرة، واضطرابات النوم، وتورم الغدد في العنق.
ويلفت د. شواخ إلى أن مضاعفات تضخم اللحمية تتمثل في انسداد الأنف مع سيلان وشخير ليلي، ووقف التنفس أثناء النوم وفتح الفم بشكل دائم، ما يسبب سحنة الناميات التي تتميز بتطاول الوجه، والأسنان المتراكبة، إضافة إلى حدوث «انسداد نفير أوستاش»، وهي حالة تتميز بعدم وصول الهواء إلى الأذن الوسطى، ما يؤدي إلى الإصابة بالتهابات الأذن الوسطى المتكررة أو تجمع سوائل خلف طبلة الأذن، ويسبب التهاب الأذن الوسطى المصلي.
ويؤكد د. شواخ أن تشخيص حالات تضخم اللحمية يتم من خلال الفحص السريري أو التصوير بالأشعة، ويتنوع العلاج ما بين الأدوية أو الجراحة، وإذا كان الانسداد خفيفاً ومدته قصيرة فيمكن البدء باستخدام الأدوية عن طريق البخاخات الأنفية التي تُعطى بجرعات خفيفة من الكورتيزون لمدة ثلاثة أسابيع، ثم يتم تقييم حالة المريض مجدداً، وفي حال استمرار الانسداد يجب التدخل الجراحي والاستئصال بالليزر أو المنظار.
ويضيف: «نادراً ما يحدث أورام في موقع اللحمية بعد الجراحة، ويمكن أن تعود للظهور مرة أخرى ولكن نسبة حدوث ذلك قليلة جداً تتراوح ما بين 1 إلى 5% فقط، وذلك لعدة أسباب من أهمها عدم الاستئصال الكامل أثناء الاستئصال».
6 سلوكيات للوقاية
تُشكل الجراثيم أحد المسببات الرئيسية للإصابة بالتهاب اللوزتين الفيروسي والبكتيري، ولذلك تنصح المؤسسات الصحية والطبية بالالتزام بالسلوكيات الوقائية للحماية من العدوى، وذلك عن طريق تطبيق العادات الآتية:
1- غسل الأيدي باستمرار، خصوصاً قبل تناول الطعام، وبعد استخدام دورات المياه.
2- تجنب مشاركة الأدوات الشخصية أو الأواني وزجاجات المياه مع الآخرين حتى لا تنتقل العدوى.
3- تغيير فرشاة الأسنان واستبدالها بأخرى جديدة عند تشخيص الإصابة بالتهاب اللوزتين.
4- يجب على الوالدين إبقاء الطفل المصاب في المنزل، حتى لا ينقل العدوى إلى الآخرين.
5- تدريب الصغار على استخدام منديل أثناء السعال أو العطس لتغطية الفم وعدم انتشار الرذاذ.
6- طلب استشارة الطبيب المختص في الحالات التي لا تستجيب للعلاج أو المتكررة.