نتيجة الخلافات العالمية قبل ومع حربي أوكرانيا وغزة كما في ظل نتائج العولمة، هل من الحكمة تغيير السياسات الاقتصادية وتحويلها من الانفتاح إلى الانغلاق؟ فالسياسات الصناعية والدعم والعوائق الجمركية وتحديد الصادرات التي تطبق في كل الدول، حتى الصناعية، تزداد وكأنها ستنقذنا من شر الفقر والصراعات المتنوعة. فهل هذا صحيح؟ هنالك خطر في أن يعيد الانغلاق الاقتصادي أوضاع الدول النامية إلى الوراء، وهي التي استفادت من الانفتاح والمساعدات المالية والتقنية الآتية من الدول الغنية.
ميزت الدول كافة بين العلاقات السياسية والاقتصادية، وبالتالي التحالفات السياسية لا تكون بالضرورة تحالفات اقتصادية. العديد من الدول النامية، خاصة الأسيوية، اتكلت على الصادرات للحصول على العملات الصعبة لتطوير اقتصاداتها. دعم بعض القطاعات ربما يفيد الدول، لكن في نفس الوقت يحرم قطاعات أخرى من الأموال منها التعليم والصحة والغذاء والمناطق الفقيرة. فهل تكون سياساتنا صحيحة عندما نقرر إغلاق الاقتصاد عبر السياسات المقيدة للحريات التجارية والمالية؟
من الضروري أن نعي أن الصين لم تتطور بفضل الانغلاق بل بسبب السياسات الداخلية التي سمحت برفع الإنتاجية القطاعية، وبالتالي جذبت الاستثمارات الخارجية خاصة الغربية. كما أن الاهتمام بالأوضاع الاجتماعية يؤثر دائماً في الأجواء العامة ويفيد الاقتصاد والاستقرار الداخلي. في الولايات المتحدة اليوم، هنالك وعي متجدد لأهمية العناية الاجتماعية أي عناية المسنين والمحتاجين وأصحاب الإعاقات المتنوعة التي لم تستثمر الأموال فيهم كما يجب. هنالك ضرورة لتقوية التواصل والمشاركة بين كل المجموعات داخل المجتمعات منعاً للانعزال الشخصي والجماعي وما ينتج عنه من مساوئ لا يمكن معالجتها. في نفس الوقت هنالك عقيدة أساسية اقتصادية اجتماعية باقية وهي أن تحقيق النمو الأقوى واجب كل الحكومات لأنه يساهم في تعميم الازدهار والاستقرار.
من المعلوم أن معظم خبراء السياسات الخارجية يعتقدون أن هنالك خاسراً ورابحاً في كل علاقة دولية، أي لا تقاسم في الإنجازات. خبراء الاقتصاد يفكرون عموماً في الربح المشترك وبالتالي يمكن للمشاركين جميعاً أن يربحوا وإن يكن بنسب مختلفة. «الحرب الحالية» بين الصين والولايات المتحدة المدعومة بدرجات وأشكال مختلفة من الحزبين الأمريكيين ومرشحي الرئاسة ستؤدي إلى خسارة الجانبين، وبالتالي الاقتصاد العالمي، علماً أن المشاركة والتعاون يفيدان الجميع. زيارتا وزيرتي المال والتجارة الأمريكيتين إلى العاصمة الصينية كانتا لتصحيح الخلل وتعزيز التفاهم وإعادة الثقة، لكن النجاح كان جزئياً.
أخيراً هنالك حقيقتان ساطعتان، الأولى هي أن إدارة بايدن اتبعت سياسات صناعية مختلفة لتحسين وضع أمريكا الاقتصادي دولياً، ومن المرجح أن تستمر هذه السياسات مع هاريس. ثانياً هنالك دعم لبعض الصناعات وتقييد لحرية بعض الصادرات منعاً لانتقال التكنولوجيا المتطورة خاصة إلى الصين. هل السياسة في خدمة الاقتصاد أم يجب أن يكون العكس؟ الصراع السياسي هو الأهم اليوم وتستعمل فيه كل الأسلحة. هنالك خوف عالمي من عودة الاقتصادين الكبيرين إلى المواجهة الحادة، كما حصل في الستينات، مما يعيق عمليات النمو والاستقرار العالمية.
https://tinyurl.com/yc2r5tr3