عواقب غياب المشروع

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

عبداللطيف الزبيدي

هل خطر على بالك يوماً سؤال يشبه تلك الورود الرائعة، ذات الأشواك الخنجريّة؟ ما الذي كان دائماً يحول دون قيام أيّ مشروع عربي تنموي ناجح؟
هذا لا يعني أن العرب لا يعرفون الأسباب والمسبّبات، ولكنهم كأنهم يفزعون منها بآمالهم إلى الكذب. نحن أدرى وقد سألنا بمكرٍ: أين تاهت لدى الشعوب العقولُ؟ لكن، ألا يلوح لك العقل العربي وكأنه يرى المشاريع الكبرى ألعاباً أقلّ مرتبةً حتى من تلك الألعاب الثنائية الأبعاد؟ كم أضاع العالم العربي من وقت ثمين في مهاترات: «الوحدة أوّلاً، أم الأشتراكية أم الحريّة؟». طريف، أن الثلاثي تحقق، ولكن بالمقلوب. أضحى الشتات بديلاً من تدانينا، وكانت الاشتراكية على طريقة شوقي: «ولكن كلّنا في الهمّ شرقُ»، أمّا الوحدة فبكسر الواو.
تغيير قواعد اللعبة، في العقل العربي، ليس قضايا استراتيجيةً مصيريةً، فعندما خبت جذوة لعبة ذلك الثلاثي المرح، كانت اللعبة التالية عجيبةً غريبةً مريبةً. لك أن تتذكر ذلك البيت الطريف: «تسألني أمّ سليمى جملاَ.. يمشي رويداً ويكون أوّلاَ». عندما تغيّرت قواعد اللعبة، بفعل فاعلين، إضافةً إلى أن تلك الأنظمة لم يكن شكلها وشاكلتها وإشكالياتها ومشكلاتها، توحي بأيّ وحدة أو اشتراكية أو حريّة، برزت لدى البعض لعبة جديدة قائمة على «أنا أوّلاً»، لكن، من الدعابة اللاذعة أنهم كانوا يلوحون مغرمين بالعمل العربي المشترك. صورة جمل سليمى بالضبط. هل تذكّرت تلك العبارة التحفة، التي وصف بها أحد علماء الاجتماع الفرنسيين (القلم غير مسؤول إن لم يكن جاك بيرك) ثنائيّة العربي الجاهلي، بأنه «شيوعي أرستقراطي». شيوعي لأن القبيلة تشترك في الماء والكلأ، أي في أدوات الإنتاج، بالتعبير الماركسي، وأرستقراطي لأن كل فرد في قبيلته هو «الأنا العليا»، الكل مثل طرفة بن العبد البكري: «إذا القوم قالوا: من فتىً؟ خلت أنني.. عُنيتُ، فلم أكسل ولم أتبلّدِ».
اليوم، تغيّرت الأمور كثيراً، فلو صاح أربعمئة مليون صيحة فرد واحد: «من فتىً؟» فسوف يغدو الجميع صغاراً قُصّراً أو مسنّين في أرذل العمر. نادرة النوادر هي أن الناس يعرفون دُور العجزة، لمن تقدمت بهم السن وفقدوا كل معيل، أو تنكّر لهم الأبناء والأحفاد، فقالوا لهم أفٍّ ونهروهم ونبذوهم، ولكن، لا غرابة أغرب من أمّة بلا مشروع، تتقاذفها العواصف القواصف، وتتناهشها الذئاب، وهي في الشراك، بلا حراك ولا إدراك.
لزوم ما يلزم: النتيجة الخوفيّة: المصلحة العليا لأمن الأمّة، هي أن تخشى أن يؤدي انعدام المشروع، إلى أن يصير العالم العربي مشروعاً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/n3nmd66u

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"