هل تفكّرتَ مليّاً في تراجيكوميديا العمل العربي المشترك؟ تراجيديا، من حيث عدم الإحساس بحراجة الأوضاع، وكوميديا، من حيث نقص القادرين على التمام. الآن، لا وقت لدينا للرومانسية الخنسائية.
السؤال المحوري: كيف نشأ وعي ظروف الزمان والمكان، لدى الأوروبيين الغربيين، وارتقى إلى تأسيس الاتحاد الأوروبي؟ كيف استطاعوا نسيان أحقادهم كلها في ساعة، من قال إنهم كانت لهم ضغائن؟ كأن حرب المئة عام لم تكن، كأن هيجاء الثلاثين سنةً لم تسفك أنهاراً قانيةً، كأن ألمانيا الرايخ الثالث لم تَغْزُ فرنسا ولم تحتلها أربعة أعوام، وهلمّ كأنّات...
لا أحد يدّعي أن العلاقات البينيّة العربية كانت دائماً سمناً على عسل، فكم ذا رأينا من الحلو والمرّ عبر السنين، وكم ذا جرى من بسوس، ولكنّنا أمّة واحدة. فهل من صمغ سياسيّ، اقتصادي، تنموي، دفاعي؟ لا أحد يرنو إلى معجزة. كل ما هنالك هو أن الشعوب واقفة عند باب المنظومة تنتظر نفح الطيب، من غصن المنظمة الرطيب، مردّدةً: «ما أنتِ والوعدَ الذي تعدينني.. إلا كبرق سحابة لم تمطرِ».
قليل عقل من أطلق على أوروبا اسم القارة العجوز، هذا افتراء. بعد الحرب العالمية الثانية مباشرةً، انطلقت دون هوادة في إرساء أسس الاتحاد الأوروبي. عودة الروح أعادتها إلى عنفوان الشباب. لم تفكر في المغامرات غير المحسوبة ولا المدروسة، كالوحدة الاندماجية، التي لعبت شَمولها برؤوس عربية عدّة.
حجر الأساس كان السوق الأوروبية المشتركة. الاقتصاد كان أفضل صمغ لمصالح الدول الأوروبية. بمجرد الاتفاق المتبادل على ذلك، ينبثق السؤال التلقائي: ألا تحتاج التجارة البينيّة إلى فتح الحدود للمواصلات، وحرية التنقّل والعمل؟ عندما تتحقق تلك التسهيلات، يقال بلا شك: أليس اختصاراً للتعقيدات الإدارية البيروقراطية التي لا تحصى، توحيد جوازات السفر؟ ثم: إذا سلّمنا بأننا اتحاد أوروبي، أليس من الضروري أن نخاطب العالم بلسان سياسة خارجية اتحادية موحدة؟ ألا يلزمنا برلمان أوروبي تُطرح فيه آراء الدول الأوروبية؟
لا ينبغي لعاقل التفكير الوهميّ اللامعقول، كانصراف الذهن إلى أن العقل العربي يفكر بعكس الأوروبيين جملةً وتفصيلاً، من قبيل تشييد صرح العمل المشترك انطلاقاً من الطابق الأعلى في الجوّ نزولاً طابقاً فطابقاً في الهواء، وصولاً إلى الأساس على الأرض في النهاية! أي أن تكون البداية المباركة بالصراع على الكراسي.
لزوم ما يلزم: النتيجة الانتظارية: أغلب الظنّ أن كل الأعناق العربية مشرئبة إلى ما سيؤول إليه تداعي أحجار الدومينو. التاسع يتداعى.
[email protected]
https://tinyurl.com/tef9uwhu