د. عبدالعظيم حنفي*
تحليلات اقتصادية أمريكية عديدة ومتعددة تطرح السؤال الكبير: من أفضل للاقتصاد الأمريكي، هاريس أم ترامب؟ هناك مديح لاسيما من الديمقراطيين لإدارة بايدن في المجال الاقتصادي حيث يشيرون إلى أن الولايات المتحدة استطاعت تحقيق هبوط ناعم لا نزاع حوله مرة واحدة فقط خلال فترة الستين عاماً الماضية. وأن اقتصاد الولايات المتحدة يشهد تضخماً منخفضاً وبطالة متدنية وازدهاراً في الصناعة التحويلية ويهيمن على تقنيات المستقبل كالذكاء الاصطناعي وتعديل الجينات. ولكنهم يعترفون بأنه مع ذلك، في معظم الاستطلاعات يواصل دونالد ترامب تقدمه على نائبة الرئيس كامالا هاريس في السؤال حول من الذي سيكون الأفضل في إدارة الاقتصاد. ولكنه يتقدمها بقدر أقل من تقدمه على جو بايدن. وعلى الرغم من أن حظوظ هاريس الانتخابية أفضل من حظوظ بايدن إلا أن ترتيبها في السباق الرئاسي سواء على المستوى القومي أو في الولايات المتأرجحة (التي يمكن أن تصوت لهذا الحزب أو ذاك) يتخلف عن ترتيب كل من هيلاري كلنتون وبايدن في مثل هذه اللحظة من سباقهما ضد ترامب. وفي الواقع أنه في عهد ترامب إلى ما قبل ظهور وباء كورونا، أظهرت كافة الاستطلاعات القومية الأمريكية المتعلقة بثقة المستهلك، أن الأمريكيين لم يشعروا بهذا الارتياح بالنسبة للاقتصاد على الأقل منذ ذروة ازدهار شركات التكنولوجيا في عام 2000.
كما أظهرت الاستطلاعات القومية الأمريكية استياءهم من إدارة بايدن- هاريس في المجال الاقتصادي، مع وصول التضخم إلى أعلى مستوياته في أربعة عقود خلال سنوات بايدن، تراجعت رفاهة الأسر الأمريكية. فمنذ تولى بايدن منصبه، ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 19%، في حين زادت أجور العامل العادي بنسبة 17%. وكان دخل الأسرة متوسطة المعدل حسب التضخم أقل في عام 2022 (أحدث عام تتوفر عنه بيانات مكتب الإحصاء) ما كان عليه في عام 2021، وأقل في عام 2021 مما كان عليه في عام 2020، وأقل في عام 2020 مما كان عليه في عام 2019.
وبدلاً من الإقرار وتفهم آراء الناخبين من استياء الناخب الأمريكي من إدارة بايدن – هاريس للاقتصاد، يعزو اقتصاديو الحزب الديمقراطي ذلك بأن هناك افتراضاً أمريكياً سائداً بأن الجمهوريين أفضل من الديمقراطيين في الإدارة الاقتصادية وأن هذا راجع إلى أسطورة قديمة، ولذا فهم يحاولون عبر إصدار الكتب والتحليلات تفنيد ذلك الافتراض وإبراز أن الإدارات الديمقراطية تميل إلى قيادة نمو أسرع، وبطالة أدنى، وأسواق أسهم أقوى مقارنة بالإدارات الجمهورية، وأن فترات الركود في الولايات المتحدة تأتي دائماً تقريباً في ظل إدارات جمهورية،
ولا يتأثر معظم الناس بكثرة الحديث الديمقراطي عن مدى روعة الأشياء. فاقتصاديو الحزب الديمقراطي والقنوات الإخبارية لن تغير تصورات الناس عن الاقتصاد وخاصة إذا كانوا يشكون- عن حق- أن العديد من الأمريكيين الأثرياء يعيشون أفضل منهم بكثير.
الاقتصاد الأمريكي شديد التعقيد، فوضوي وسريع الحركة ويظهر ذلك عبر الآتي:
(1) كانت سبعينات القرن العشرين عقداً عصيباً بالنسبة للاقتصاد الأمريكي. واجه الرئيس ريتشارد نيكسون في منتصف فترة رئاسته الارتفاع السريع للأسعار الذي حفزته جزئياً كلفة حرب فيتنام التي خيضت خلال ولايته، وقد تبنى نيكسون وضع ضوابط على الأجور والأسعار في جهد لوقف مسيرة الدورة التضخمية.
(2) في حالات المخاض الاقتصادي، كان الأمريكيون في أحيان كثيرة يعاقبون الحزب الموجود في السلطة وكان عام 1980 مثالاً على ذلك. أظهرت استفتاءات الرأي التي نفذت في تلك السنة أن ثلثي الشعب الأمريكي يعتقدون أن البلاد تسير في اتجاه سلبي. سعى أمريكيون عديدون إلى إحداث تغيير في الاتجاه فوجدوه في المرشح رونالد ريغان، الحاكم الجمهوري السابق لولاية كاليفورنيا. «الاقتصاد» الريغاني «سعى إلى تخفيض معدلات الضريبة حتى ولو أدى ذلك إلى عجز في الموازنة الفيدرالية.
* كاتب وباحث أكاديمي مصري