بناء التجانس بالعناصر المتناقضة

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

ما الذي كان يدور في ذهن القلم حين وصف العمل العربي المشترك بأنه تراجيكوميديا؟ في مناجاة فصامية، سكيزوفرينيّة، همس بأن ما أضاعت الشعوب عشرات السنين لاهثةً وراءه، اكتشفت بعد عشرين متاهةً أنه سراب. ما يزيد الطين بِلّة، هو أن الأوضاع الحرجة الملتبسة على هذه الشاكلة تحتاج إلى أدمغة فلسفية ذات منهجية علميّة، حتى تكون قادرة على تشكيل منظومة متجانسة متوافقة، من مجموعة متناقضات.
المشكلة المعضلة هي أن الطرائق التي أدمنها العالم العربي في تسيير شؤونه لا علاقة لها بالفلسفة والمنهجية والموضوعية، ولا بالإدارة الفائقة، قطعاً. الطريف هو أنه لا وجود لأمم أو شعوب تُسرف في استعمال صفتي الحكمة والرشاد في السياسة إسرافَ لغتنا في استخدامهما.
ليس تهريجاً إنشائياً الحديث عن الفلسفة والمنهجية العلمية، لأن المنظومة العربية تعجّ وتضج بالمتناقضات غير المتوافقات. المنطق السليم هو أنك تحتاج إلى مجموعة وحدات مشتركة في عناصر متماثلة متناسبة، لكي تشكّل منها وحدة متجانسة متجاوبة، وإلا اختلّ النظام وتعذّر التنسيق.
ذلك ممكن عندما تكون العناصر متشابهة ومتكافئة من حيث الاستقرار والتوازن، وليس شرطاً أن تكون متساوية في عدد النفوس أو مستوى الثروات. للأسف، تستدعي أحوال البلدان العربية حكمة بالمعنى الفلسفي، وعقولاً وازنة مدججة بالرياضيات والفيزياء والكيمياء، فنحن أمام مقياس تنموي درجاته من تحت الصفر، أي الدولة الفاشلة «ع الحديدة»، المثال الحيّ للعصور الحجرية الغابرة، تدرّجاً إلى أعلى مستويات التنمية والرخاء والجاذبية والأمن والاستقرار والريادة العالمية في مجالات شتى.
تتطلب معالجة الأوضاع العربية مبادرات برؤى وخطط تنموية، وأفكار رائدة في الإصلاحات السياسية والاقتصاديّة والتعليمية والقضائية... مثقال ذرّة من الوعي والفهم الدقيق والإدراك يرينا أن بؤرة الإنهاك والإرهاق والتمزيق والتفتيت هي الفوضى الخلاقة وهزّاتها الارتداديّة: «دمّر كل شيء واعمل على تشكيله من جديد».
هل تحتاج التراجيكوميديا إلى برهان؟ كما لم يقل شاعرنا: «وليس يصحّ في الإبهام شيءٌ.. إذا احتاج الظلام إلى دليلِ». سلّة الغذاء العربي كانت الأمل لسدّ عشرين فجوة غذائية في العالم العربي، فإذا ستة وعشرون مليون سوداني يتضوّرون جوعاً. ويضيف بدر شاكر السياب: «وفي العراق جوع». وحبال الفوضى على الجرّارات الخلاقة في سوريا ولبنان وفلسطين وليبيا، ولا عربيّ يدري أيّان مرساها ومنتهاها؟
لزوم ما يلزم: النتيجة العلمية: تأمّلوا ما تبدعه الكيمياء بالعناصر غير المتجانسة، وتعلّموا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2xpfuxsh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"