القاهرة: «الخليج»
نشر جيروم ديفيد سالنجر، (1 يناير 1919– 27 يناير 2010)، روايته الشهيرة «الحارس في حقل الشوفان»، عام 1951، ولاقت نجاحاً كبيراً، إذ صور خلالها الاغتراب الاجتماعي، لدى المراهقين، وفقدان البراءة، من خلال بطل الرواية هولدن كولفيلد، الرواية اشتهرت بين القراء المراهقين، وأثرت في جيل كامل، صار ينادي «كلنا هولدن كولفيلد» وغدت مرجعاً مهماً في الثقافة الأمريكية المعاصرة.
تعتبر هذه الرواية بداية للكتابات، التي عرفت فيما بعد بكتابات الغاضبين، وقد عبر جيل الرفض في أمريكا عن تبنيه لها، لأنها تعبر عن الاشمئزاز والتقزز الأخلاقيين، اللذين يعانيهما صبي في السادسة عشرة من عمره، تجاه المجتمع الأمريكي، فالجميع مثيرون للسخط، عدا الأطفال خاصة الذين ماتوا، كلهم مزيفون باستثناء الأطفال.
*حلم
كان حلم البطل أن يعيش في كوخ على طرف غابة، حيث لا يلقى أحد من البشر، والأمر المثير أن المؤلف حقق هذا الحلم في ما بعد، انتزع نفسه من المجتمع الأمريكي، ليعيش في كوخ على طرف غابة، لا يرى أحداً من البشر، حتى زوجته لا تتصل به إلا من خلال التليفون.
يقف سالنجر، منفرداً بين الكتاب الأمريكيين المعاصرين، فقد بدأت شهرته مع تلك الرواية، التي كتبها في نحو عشرين عاماً، ثم اختفى عن الأضواء، وهذه الرواية من أهم أعماله، وترجمها إلى العربية الروائي الأردني غالب هلسا، كما ترجم له الراحل بسام حجار، خمس قصص قصيرة، بينما ظلت أعماله الأخرى غائبة عن المكتبة العربية.
*معركة قانونية
أدت شهرة الرواية إلى لفت الانتباه له، لكنه أصبح منعزلاً بعض الشيء، وقل نشره لأعمال جديدة، وخاض معركة قانونية في الثمانينات مع كاتب السيرة إيان هاملتون، كما قام بإجراءات قانونية في مناسبات أخرى لحماية حقوق نشر أعماله، واتخذ إجراءات لمنع نشر كتاب لمؤلف سويدي تحت عنوان «بعد ستين عاماً: مرور في حقل الشوفان»، يحاول المؤلف تتبع مسار الرواية الشهيرة.
بدأ سالنجر، كتابة القصص القصيرة في المدرسة الثانوية، ونشر العديد منها في أوائل الأربعينات، حيث ولد في مانهاتن بنيويورك لأم نصف إيرلندية ونصف اسكتلندية، ومثل العديد من المسرحيات المدرسية، رغم معارضة والده بأن يصبح ممثلاً، فالتحق بأكاديمية عسكرية في بنسلفانيا، وشعر للمرة الأولى بالراحة، لتحرره من هيمنة والدته، وحرصها المبالغ فيه.
في الأكاديمية كتب قصصه في حجرته ليلاً، على مصباح شحيح الضوء، ثم التحق بجامعة نيويورك عام 1936، وذهب ليعمل في النمسا، وغادرها قبل وقوعها في أيدي النازيين، في مارس عام 1938، ثم عاد إلى أمريكا، وتابع دراسته في جامعة كولومبيا.
*لقاء
في أواخر عام 1941، عمل على متن سفينة سياحية في منطقة الكاريبي، وبدأ في إرسال قصصه إلى مجلة «نيويوركر»، في العام نفسه، لكن المجلة رفضت نشرها، وبعد أشهر من اشتراك الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، جُنّد في الجيش، وكان موجوداً ضمن إنزال شاطئ النورماندي، وخلال ذلك التقى هيمنغواي، الذي كان يعمل مراسلاً حربياً، في باريس، أثناء الحرب.
كانت الحرب العالمية الثانية تجربة قاسية، جعلته الأهوال التي شهدها، يعاني ندوباً نفسية مدى الحياة، حيث قال: «نجوت من كثير» على الرغم من أنه لم يتحدث علناً عما شاهده في معسكر الاعتقال، وقال لابنته لاحقاً: «مهما عشت، فإنني لا أتخلص أبداً من رائحة احتراق اللحم البشري».
نجح سالنجر في بيع قصة له، لتتحول إلى عمل سينمائي، إلا أنه أصيب بخيبة أمل كبيرة، حينما شاهدها على الشاشة، فقد جردت القصة من مضمونها، ما دفعه إلى اتخاذ قرار بعدم التعامل مع هوليوود، وعلى الرغم من العروض التي انهالت عليه من مخرجين كبار، بينهم ستيفن سبيلبرغ، أصر على عدم بيع حقوق روايته «الحارس في حقل الشوفان»، وكان يقول إن بطل قصته هولدن كولفيد، سيرفض ذلك قطعاً.
تغطي الرواية بضعة أيام من حياة بطلها البالغ من العمر ستة عشر عاماً، وتبدأ عند طرده من المدرسة، قبل عطلة الميلاد من نهاية عام 1940، لرسوبه في امتحانات الفصل الأول، ومنذ البداية يتضح التشتت الفكري والعاطفي، الذي يعيشه البطل والصراع الداخلي، الذي يهيمن على سلوكه، إنها قصة مراهق أمريكي غاضب على المجتمع، وأصبحت الرواية واحدة من أكثر الروايات الأمريكية تأثيراً في العصر الحديث.
وضع سالنجر، السطر الأخير في الرواية، عام 1951، وأول جملة بها كانت عبارة عن ملاحظة صارخة: «إذا كنت قد أثرت اهتمامك بالفعل، فأغلب الظن أن أول ما ترغب في معرفته هو المكان الذي ولدت فيه، وكيف أمضيت طفولتي التعسة، وماذا كان يعمل والداي قبل أن ينجباني، وكل هذا اللغو الذي تعودناه في «ديفيد كوبرفيلد»، ولكنني لا أشعر برغبة في فتح هذه الموضوعات لأصدقك القول».
أصبحت «الحارس في حقل الشوفان» بمثابة الكتاب المقدس لجيل من المراهقين الساخطين، وفي ديسمبر 1980، جلبت جاذبيته الواسعة مشاكله الخاصة، حيثُ حمل مارك ديفيد تشابمان، نسخة من الرواية عندما قبض عليه بتهمة قتل المغني جون لينون، وأخبر الشرطة بأن «هذا الكتاب الاستثنائي»، سيساعد الناس على فهم سبب إطلاقه النار على قائد البيتلز، واستشهد بالرواية باعتبارها «بيانه».
كما وُجدت الرواية في غرفة فندق جون هينكلي، بعد محاولته اغتيال الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، وأدى الجدل اللاحق حول الرواية إلى إصرار سالنجر، على عدم التعامل مع ما وصفه باهتمام الجمهور «الفضولي» بحياته.
شبه البعض الرواية برواية «عوليس»، لجيمس جويس، لأن أزمة البطل أزمة مكانية: (إذا كنتُ أثرتُ اهتمامك بالفعل، فأغلب الظن أن أول ما ترغب في معرفته هو المكان الذي ولدت فيه)، وانتهى عند النقطة نفسها: (لا تروِ ما حدث لك مثلما قلت أنا لأي إنسان، لأنك حين تفعل ذلك، سوف تفتقد كل الناس).
عادي
أثرت في قاتل جون لينون
«الحارس في حقل الشوفان».. رواية في معاطف المجرمين
29 أكتوبر 2024
15:48 مساء
قراءة
4
دقائق
https://tinyurl.com/5anft839