وليد عثمان
غريب أمر الأمم المتحدة وتوابعها من مؤسسات دولية، فهي لا تدع فرصة لأحد لتبرير عجزها القديم الجديد عن اتخاذ أي رد فعل حاسم على الأفعال المخالفة لكل الأعراف والقوانين والشرائع في ساحات الحرب، ووقوعها أسيرة قوى بعينها، ووقوفها طرفاً ضعيفاً في كل النزاعات، إنما تصر على التذكير كل فترة بذلك.
ربما تحاول المنظمة الأممية من وقت لآخر نفض يديها مما يجري في المناطق المشتعلة، ما دامت غير قادرة على إطفاء حروبها، لكن ليس إلى حد انتظار أكثر من عام ونصف العام، بالنسبة للسودان، وأزيد من العام في ما يخص غزة، لتخلص إلى أن كل ما في جعبتها هو الشعور بالصدمة.
ومن غير أن تقصد، تصيب الأمم المتحدة الجميع بصدمة مماثلة حين توحي تصريحات ممثليها بأنها تنام طويلاً ثم تستفيق على ما تدّعي أنها لم تكن تعلمه من مآلات الحربين في السودان وغزة، رغم حضور هذه المآلات على الشاشات على مدار الساعة.
نعلم جميعاً استهداف إسرائيل تحديداً الأمم المتحدة ومؤسساتها، وأمينها العام، أنطونيو غوتيريش، والمساجلات بينهما منذ بدأت الحرب في غزة، لكن ما جدوى أن يكون كل ما لدى الرجل شعوره ب«الصدمة لمستويات القتل والإصابات والدمار الهائلة» في شمال قطاع غزة.
والأغرب توصل أبرز مسؤول أممي إلى أن «معاناة المدنيين الفلسطينيين العالقين في شمال غزة لا تحتمل»، ولا نعرف إن كانت مشكلة الاحتمال تخصه أم تتعلق بقدرات الفلسطينيين في القطاع بعد أن تجاوزت أرقام الضحايا والممتلكات الضائعة حدود الإحصاء الدقيق.
إن ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم غوتيريش، يروج لشعوره ب«الصدمة لمستويات القتل والإصابات والدمار الهائلة في شمال غزة حيث أصبح المدنيون عالقين تحت الأنقاض والمرضى والجرحى محرومين من الرعاية الصحية المنقذة للأرواح والأُسر من دون غذاء ومأوى»، وكأن الحرب بدأت لتوها وأسفرت عن كل ذلك في ساعات.
يبرئ المتحدث المنظمة وأمينها العام من تداعيات كل ما حدث، لكنه يجدد التأكيد على عجز الأمم المتحدة عن إيصال الإمدادات الإنسانية الضرورية للبقاء على قيد الحياة، متعللاً بالقيود الإسرائيلية، رغم أن دولاً نجحت في ذلك، منفردة أو بتنسيق مع دول أخرى، في غزة والسودان، وتواصل إسهامها الإنساني في لبنان، الساحة الجديدة للحرب.
الصدمة الثانية أن الأمم المتحدة عبّرت عن نفسها بلسان كليمنتاين سلامي، المنسقة المقيمة ومنسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في السودان، التي استغلت واقعة حديثة لتتذكر أو تذكّر بمعاناة السودانيين، قتلاً وإصابات ونزوحاً ولجوءاً وجوعاً، منذ اندلاع النزاع منتصف إبريل/ نيسان 2023.
لن يلوم أحد الأمم المتحدة إن صمتت، فصمتها أصوب وأوجب من هبّاتها المتقطعة التي لا تقول أكثر من أنها عاجزة عن أن تكون هيئة ممثلة للضمير الدولي أو فاعلة في أزمات العالم، خاصة حروب منطقتنا التي تنفلت أطراف فيها من أي قيد أو التزام.