تشهد الساحة السياسية في جورجيا انقساماً حاداً بين المؤيدين لروسيا والمؤيدين للغرب، ويشكل «حزب الحلم الجورجي» الحاكم منذ 12 عاماً برئاسة المليونير بدزينا ايفانشفيلي رأس الرمح في معارضة النهج الغربي المؤيد لحلف شمال الأطلسي والداعم لأوكرانيا، والذي يمثله ائتلاف الأحزاب المعارضة الذي يضم «التحالف من أجل التغيير»، و«وحدة لإنقاذ جورجيا»، و«جورجيا القوية».
وجاءت الانتخابات العامة التي جرت يوم السبت الماضي لصالح «حزب الحلم الجورجي» الذي حصد 54.08 في المئة من الأصوات، في مقابل 37.58 في المئة لائتلاف أحزاب المعارضة التي رفضت الإقرار بهزيمتها واعتبرت الانتخابات «مزورة ومسروقة»، وبمثابة «انقلاب دستوري»، ودعت إلى احتجاجات شعبية في مختلف أنحاء البلاد.
وتشكل هذه النتائج ضربة للجورجيين المؤيدين للغرب الذين اعتبروا الانتخابات اختباراً بين الحزب الحاكم الذي عمق علاقاته مع روسيا، والمعارضة التي كانت تراهن على فوزها في تسريع الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والعمل على دعم أوكرانيا في حربها، والسعي للانضمام إلى حلف الأطلسي. لكن النتائج خيبت أملها وجددت بقاء «حزب الحلم الجورجي» في السلطة الذي يتوقع أن يحصل على نحو 91 مقعداً نيابياً من أصل 150 مقعداً، وهو عدد يكفي للحفاظ على الحكومة الحالية، لكنه لا يكفي لإجراء تغييرات دستورية يرغب في إجرائها.
من البديهي أن لا تروق هذه النتائج للدول الغربية التي كانت تراهن على التغيير في جورجيا لصالح الأحزاب المؤيدة لها والسعي لإبعادها عن روسيا، إذ اعتبر الاتحاد الأوروبي أن نتائج الانتخابات تحد من فرص تبليسي في الانضمام إلى التكتل، وكتب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال على منصة (إكس) أن السلطات «يجب أن تحقق بسرعة وشفافية وبشكل مستقل في المخالفات الانتخابية والاتهامات المتعلقة بها»، وأضاف أن هذه الاتهامات «يجب توضيحها بشكل جدي ومعالجتها».
فيما أعلنت بعثة من البرلمان الأوروبي قلقها إزاء «التراجع الديمقراطي»، وقالت إنها «شهدت حالات من حشو صناديق الاقتراع» و«الاعتداء الجسدي» على المراقبين، كما دعا وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى «إجراء تحقيق في عمليات تزوير محتملة خلال الانتخابات في جورجيا»، وقال «نضم صوتنا إلى المراقبين والمحللين في الدعوة إلى إجراء تحقيق شامل في جميع التقارير التي تشير إلى حصول انتهاكات».
مؤسس «حزب الحلم الجورجي» إيفانشفيلي قال أمام أنصاره بعد إعلان النتائج «إنها حالة نادرة في العالم أن يحقق نفس الحزب مثل هذا النجاح في مثل هذا الوضع الصعب.. وهذا مؤشر جيد على موهبة هذا الشعب»، من جهته قال رئيس الوزراء المنتهية ولايته إيراكلي كوباخيدزة إن الحزب حقق «انتصاراً رائعاً» متهماً المعارضة «بتقويض النظام الدستوري» في البلاد من خلال التشكيك في النتائج.
من البديهي أن تلقى نتائج الانتخابات في جورجيا ترحيباً في موسكو التي تعتبر «حزب الحلم الجورجي» أحد حلفائها في أوروبا، فيما سارع الرئيس المجري فكتور أوربان إلى الترحيب بهذا الفوز، وأعلن عزمه على زيارة تبليسي.
باتت جورجيا الآن أبعد عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وأقرب كثيراً من موسكو، ولكن هل ستمر هذه الانتخابات على خير، ويُسمح ل«حزب الحلم الجورجي» بأن يحكم مستريحاً؟
إن أحزاب المعارضة المدعومة من الغرب تستعد لإطلاق حملة تظاهرات واسعة ضد الحزب الحاكم الذي يستعد بدوره لاستخدام سلطته من أجل حماية الأمن والنظام. وهذا يضع جورجيا أمام وضع لا يحسد عليه.
https://tinyurl.com/2p9tv7wa