د. محمد السعيد إدريس
على ضفاف نهر الفولغا في مدينة قازان استضافت روسيا بين 22- 24 من الشهر الحالي أعمال القمة الـ16 لمجموعة «بريكس» التي أرادتها روسيا صرخة عالمية بحق الدول الصاعدة، في أن يكون لها دور في مجرى التحولات العالمية الراهنة، وتأكيداً بأن «روسيا لا تعاني عزلة دولية» رغم التحديات التي تواجهها جرّاء «الحرب الأوكرانية»، والتصعيد الأطلسي في هذه الحرب ضدها.
روسيا اتهمت الولايات المتحدة والغرب عموماً بممارسة ضغط على الدول التي وجهت لها موسكو الدعوة لحضور تلك القمة إما بعدم حضورها أو على الأقل تقليص مستوى التمثيل من أجل إحباط مساعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتوظيف هذه القمة سياسياً. ورغم ذلك، فإنه، وفقاً لبيانات القمة، فقد شارك ممثلو 32 دولة بينهم، وفقاً لتصريحات يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي لشؤون السياسة الدولية، 24 رئيساً أو رئيس وزراء، علماً بأن الدعوة وجهت إلى 38 بلداً. ويعتقد أوشاكوف أن «التمثيل الجغرافي رفيع المستوى والواسع النطاق في قمة «قازان» يشهد على دور«بريكس» المتنامي ومكانتها على الساحة الدولية. ويمكن الثقة في هذا الاعتقاد استناداً إلى عاملين؛ أولهما: القوة والمكانة الاقتصادية والسياسية والعسكرية لدول هذه المجموعة.
وثانيهما: الرغبة المتزايدة لعدد كبير من دول العالم التي تسعى لكسب عضوية «المجموعة»، حيث بلغ عدد سكان مجموعة «بريكس»، بعد ضم 5 دول جديدة إليها هذا العام بقرار من القمة الـ15 التي عقدت في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا العام الماضي ليصبح عدد الدول الأعضاء 10 دول هي الدول الخمس المؤسسة: الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا والدول الخمس الجديدة وهي: الإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا والسعودية.
فعدد السكان يبلغ الآن نحو 3,5 مليار نسمة يشكلون 45% من سكان العالم، وتبلغ قيمة اقتصاداتها 28,5 تريليون دولار، ما يقدر بنحو 28% من الاقتصاد العالمي، ولعل هذا ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التأكيد أمام اجتماع المسؤولين ورجال الأعمال في منتدى الأعمال لمجموعة «بريكس» في موسكو (الجمعة الماضية 10/18/ 2024)، أن «مجموعة بريكس ستولد أغلب النمو الاقتصادي العالمي في السنوات المقبلة بفضل حجمها ونموها السريع نسبياً مقارنة بنمو الدول الغربية المتقدمة»، واعتباره أن الدول الأعضاء في المجموعة «هي في الأساس محركات الاقتصاد العالمي، وفي المستقبل المنظور ستولد مجموعة (بريكس) الزيادة الرئيسية في الناتج المحلي الإجمالي العالمي».
يذكر أن هذه القمة الـ16 للمجموعة هي الأولى لها منذ مضاعفة أعضائها بقرار من قمة المجموعة في جوهانسبرغ، حيث حضرت الدول الخمس الجديدة للمرة الأولى هذه القمة، وشاركت دولة الإمارات في القمة بصفتها عضواً في بريكس بوفد عالي المستوى على رأسه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، الذي استبق هذه المشاركة بزيارة إلى روسيا وعقد قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جرى فيها بحث علاقات الشراكة بين البلدين ومجمل التطورات الإقليمية والدولية.
وجدير بالذكر، أن روسيا لعبت في هذه القمة أدواراً فاعلة خاصة ما يتعلق بطرح حلول عملية خاصة بقضية طلب العضوية المتزايد على المجموعة، والإنجازات الاقتصادية المأمولة من القمة، وتأسيس عملة مالية موحدة للمجموعة لمواجهة سطوة الدولار الأمريكي على الاقتصادات العالمية. فإلى جانب اللقاءات الثنائية بين القادة المشاركين في هذه القمة رتب الكرملين متعمداً شقين للقمة يحمل كل منهما دلالات مهمة.
الشق الأول، يضم الدول العشر أعضاء المجموعة (الأعضاء الخمسة المؤسسين والأعضاء الخمسة الجدد)، وتخصيصه لمناقشة موضوع «التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين»، وهو الموضوع الذي يعدّ شعار الرئاسة الروسية لمجموعة «بريكس» في دورتها الحالية تحت الرئاسة الروسية.
الشق الثاني، وهو الشق الموسع للحوار الذي يأخذ صيغة «بريكس بلس» الذي يضم أعضاء القمة والضيوف المشاركين وممثلي الدول التي أعربت عن رغبتها في الانضمام للمجموعة، وهو يركز على البُعد السياسي الذي تتطلع إليه موسكو لكون اللقاء هذا يعقد تحت شعار «بريكس والجنوب العالمي.. بناء عالم أفضل بشكل مشترك». وهنا بالتحديد نجحت موسكو في حل الخلاف المثار على دعوة توسيع المجموعة أم الاكتفاء بالعضوية الحالية (10 أعضاء)، حيث جرى ابتكار صيغة «الدول الشريكة لمجموعة بريكس»، وهي الدول الحريصة على التعاون الفعال مع «بريكس» والتي تسعى للانضمام المستقبلي لها.
وقد أوضح يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي لشؤون السياسة الخارجية، أن دول «بريكس» اتفقت على معايير انضمام الأعضاء الجدد للتكتل، وقال (الأربعاء 10/23/ 2024): إنه تم بالفعل الاتفاق على قائمة تضم 13 دولة من دون تحديدها علناً في الوقت الحالي، «لأنه من الضروري أن تناقش مع هذه البلدان مدى الاستعداد للانضمام إلى العضوية الكاملة في (بريكس) أو التعاون معها وفق صيغة أخرى».
تفاهم أسهم كثيراً في تيسير أعمال قمة «بريكس» التي عكست نفسها في الإعلان الذي حمل اسم «إعلان قازان» كمحدد لأجندة عمل المجموعة خلال عام جديد من عمرها.