د. محمد الصياد*
استبقت المستقبل في مجال الطاقة، فكانت سبّاقة في اقتحام قطاع الطاقة المتجددة، ومن بعدها بقليل قطاع الطاقة النووية، والصناعة الفضائية، والآن بصدد إنشاء البنية التحتية، وبضمنها البنية القانونية لصناعة الذكاء الاصطناعي. وعلى الرغم من ثروتها النفطية (باحتياطيات مثبتة تبلغ حوالي 100 مليار برميل، وإنتاج يومي يبلغ حوالي 3 ملايين برميل يومياً، يوجه منها حوالي مليون برميل يومياً للاستهلاك المحلي واحتياطيات غاز تضعها في المرتبة السابعة عالمياً، بأكثر من 215 تريليون قدم مكعبة، وهو ما يعادل 81.8 ضعف استهلاكها السنوي، ما يعني أن لديها حوالي 82 عاماً من الغاز المتبقي أخذاً بعين الاعتبار مستويات الاستهلاك الحالية، عدا الاحتياطيات غير المثبتة بعد) - إلا أن دولة الإمارات العربية المتحدة، تعمل بوتيرة عالية لتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري. ولأن تحقيق هذا التحول الهائل والنموذجي يتطلب التعامل مع عناصر حاسمة للنهوض الاقتصادي والاجتماعي، ومنها على وجه الخصوص الماء والكهرباء وخلق الشواغر الوظيفية بوتيرة عالية، فقد انصرفت الإدارة الحكومية الكلية الإماراتية للعمل بهمة على استكشاف حلول استراتيجية وفعالة، منها على سبيل المثال لا الحصر، بناء محطات عملاقة لإنتاج الطاقة الشمسية المعززة بالذكاء الاصطناعي، ومحطات تحلية مياه منخفضة الطاقة وعالية الكفاءة، وفرق عمل وبناء بالغة الكفاءة، تحتضن أفضل المواهب في العالم.
وقد وضعت حكومة الإمارات خطتين اقتصاديتين/اجتماعيتين مستقبليتين، لكل منهما مؤشراته القياسية المستهدَفة. الأولى هي رؤية 2031 (نحن الإمارات 2031)، وتشمل بعض مؤشراتها الرئيسية مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي للدولة من 1.49 تريليون درهم إلى 3 تريليونات درهم (816 مليار دولار)، وتوليد صادرات غير نفطية بقيمة 217 مليار دولار، ورفع قيمة التجارة الخارجية لدولة الإمارات إلى 1.8 تريليون دولار. ويشكل النظام البيئي المتقدم الركيزة الأساسية في هذه الرؤية بهدف تعزيز أداء الحكومة والبنية التحتية لدولة الإمارات وتطويرها، بما في ذلك تطوير البنية التحتية الرقمية. وتتكامل هذه الخطة مع الخطة الثانية وهي رؤية «مئوية الإمارات 2071» التي أطلقها مجلس الوزراء الإماراتي عام 2017، وتستهدف النهوض بالتعليم والاقتصاد والتنمية الحكومية والتماسك المجتمعي في الدولة، و«غرس منظومة القيم الأخلاقية الإماراتية في نفوس الأجيال القادمة».
ويمكن، ضمن هذه الرؤية، إدراج انضمام دولة الإمارات رسمياً إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية في عام 2015، فكان أن أضحت اليوم عضواً فاعلاً في تنفيذ مشاريع هذه المبادرة، ومنها مشاريع استراتيجية ضخمة مكرسة للتحول من الطاقة الأحفورية إلى الطاقة الخضراء والمتجددة، والهدف جعل 50% من مصادر إمداداتها الكهربائية، متأتية من مصادر نظيفة، مستفيدة في ذلك من مساحاتها الصحراوية الشاسعة وسطوع الشمس الدائم على أراضيها.
هناك العديد من الشراكات التي قامت بين الدولتين (الإمارات والصين) منذ ذلك الحين، لعل إحدى أبرزها المنطقة النموذجية للتعاون في مجال القدرات الصناعية بين الصين والإمارات
(China-UAE Industrial Capacity Cooperation Demonstration Zone - ICCDZ)، التي تم إنشاؤها في عام 2019 في منطقة خليفة الصناعية بأبوظبي، في إطار مبادرة الحزام والطريق، بهدف تطوير قاعدة الصناعات الصينية في الإمارات. وتركز الشراكة الإماراتية الصينية في هذه المنطقة على خمسة قطاعات صناعية هي: المعادن والتصنيع المتقدم، المعدات البترولية والخدمات الفنية، مواد البناء والمفروشات المنزلية، الطاقة المتجددة والتكنولوجيا البيئية والمركبات الكهربائية والآلات الثقيلة. ويعمل حالياً أكثر من 26 مشروعاً صينياً في المنطقة بإجمالي استثمارات يبلغ حوالي 545 مليون دولار، وهناك العديد من الشركات المزمع التحاقها بهذا المجمع الصناعي المتنامي.
وبفضل مبادرات التعاون هذه، تمكنت دولة الإمارات من الوصول إلى أحدث التقنيات والخبرات والاستثمارات التي دفعت نموها الصناعي، ما عزز قطاعها التصنيعي ووسع مروحة تنويع اقتصادها ومواكبته لآخر الاتجاهات العالمية في الابتكار والاستدامة. في عام 2022 على سبيل المثال، أقامت هواوي تعاوناً مع 11 جامعة في الإمارات العربية المتحدة لإنشاء أكاديمية هواوي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وإقامة برنامج بذور من أجل المستقبل، ومسابقة هواوي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وقد شارك أكثر من 5000 طالب محلي من دولة الإمارات في برامج التدريب الميدانية التي تقدمها هواوي. وهذا يعني أن التعاون التقني بين الإمارات وهواوي سوف يسهم في تعزيز مكانة الإمارات كوجهة عالمية للمواهب التقنية ذات المستوى العالمي.
*خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية