الشارقة: عثمان حسن
من المشاركات اللافتة في ملتقى الشارقة للخط في نسخته ال 11 يقدم الخطاط عبد الفتاح يونس من مصر لوحة مميزة مستخدماً الآية القرآنية «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ» وذلك باستخدام خط الثلث الجلي الكلاسيكي.
تؤكد الآية على أهمية الطاعات والتقرب إلى الله عز وجل، لما في ذلك من فوز بمغفرته وجناته، وهي دعوة للمؤمنين لكي يحرصوا على هذه الطاعات ويواظبوا عليها، فالله سبحانه وتعالى يخاطب عباده من خلال هذه الآية، أن يا عبادي المؤمنين اذكروني بطاعتكم إياي فيما آمركم به وفيما أنهاكم عنه، وفي ذلك تذكير بالرحمة الواسعة التي سوف ينالها العبد نتيجة فعل الذكر، وهذا التقرب إلى الله عز وجل.
ومن جهة ثانية، فإن في الآية معنى عميقاً يتضمنه موضوع الذكر، كما في كلمة اذكروني، وهنا، دعوة للمؤمنين أن يذكروا الله بالطاعة فيما أمر عباده وفيما نهاهم عنه، وسوف تكون نتيجة هذا العمل الصالح أن يجزى العبد بالرحمة الواسعة والمغفرة التي لا حدود لها، وهذه المغفرة وتلك الرحمة لا حدود لهما عند الخالق الكريم، أما تكملة الآية، فقد ربطت بين الذكر والشكر، ومن خلالهما يحقق الإنسان شرط شكره لله بابتعاده عن كافة أشكال الكفر التي نهانا الله عنها خشية عذابه، فالله يذكر من يذكره ويزيد شكر من شكره، وهو من دون شك سوف يكون بعيداً عن غضبه.
*التكوين
حرص الخطاط عبد الفتاح يونس على ترجمة هذه المعاني الجليلة من خلال خط الثلث الجلي شكلاً ومضموناً، فمن حيث الشكل فقد اختار يونس هذا الخط على وجه التحديد، لأنه يرتبط بالثلث الذي تكون حروفه قابلة للتناظر والتماثل على نحو جمالي وبصري، وهذا التكوين برع فيه الخطاط من حيث التصميم النهائي للوحة، وأيضاً من خلال تلك التفاصيل الصغيرة التي سوف يلحظها المشاهد في دقة بناء وتشكيل الحروف كل على حدة، كما هو في الألفات في كلمات (اذكروني، اذكركم، واشكروا) وكما هو واضح في حرف الكاف الذي يتكرر أكثر من مرة في ذات الكلمات.
هذا الخط كما برع في تصميمه عبد الفتاح يونس، يعبر عن منحى كلاسيكي في تصميم اللوحة، حيث الكلاسيكية هنا، تعني حرفية ودقة الخطاط في تشكيل الحروف بسماكات وامتدادات مدروسة، وفي ذلك التكوين الذي يقفز بالمشاهد إلى بدايات الخط العربي وبراعة الخطاطين المسلمين في تشكيل فضاءات بصرية وجمالية لا حصر لها من التجارب واللوحات الخطية عبر فترات ازدهار فن الخط العربي صعوداً في تاريخ الدول الإسلامية حتى اليوم.
وهذا الأسلوب الفني في تصميم الشكل يمنح اللوحة الكثير من معالم التجديد والمعاصرة، وربما يكون هذا التوجه من أبرز سمات ملتقى الشارقة للخط الذي منذ تأسيسه حرص على استضافة أبرع الخطاطين من جهات العالم، ليبدعوا من خبراتهم الشيء الكثير الذي بالضرورة سوف يضيف إلى أناقة وروعة وجماليات الخط العربي الذي يتدرج من المنحى التقليدي القديم والمعروف، نحو أفق آخر يمنح عقل المشاهد وعينه لمسات من تلك الرؤى الصوفية التي نراها متألقة بجمال الحروف وروعة التكوينات والألوان على سطح اللوحة، هنا، تتأمل عين المشاهد، كما يتأمل عقله بوصفه قارئاً ثانياً للوحة الكثير من إبداعات وتشكيلات الخطوط التي تتقاطع فيها ومن خلالها رؤى خطية غاية في السحر والجمال.
خط الثلث الجلي كما برز في هذه اللوحة، قدم الحرف بوصفه ليناً وطيعاً، وهذه المرونة في التشكيل من ميزات خط الثلث المعروفة، التي تمنح اللوحة بعداً جمالياً في التشكيلات الأفقية والعمودية للحروف، ومن المؤكد بالنسبة لدارسي أنواع الخط، أن الثلث هو من أصعب الحروف، وأنه لا يعد الخطاط خطاطاً من دون قدرته على تجربة هذا الخط الذي وضع قواعده الخطاط الشهير علي بن مقلة، وكان أن تطور في عصور لاحقة ولا يزال إلى اليوم خطاً مشاهداً بكثرة في كثير من التجارب الخطية في المعارض والغاليريات، وأيضاً كما هو بارز بقوة في الجداريات وعلى قباب وجدران المساجد والمحاريب والمتاحف في الديار الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها.
*لون
خط عبد الفتاح الآية الكريمة على خلفية من تدرجات اللون البني، الذي يحمل رمزية خاصة عند الخطاط المسلم، فهو يرمز إلى الأرض والخلق، وهو من الخطوط التي تدل على التواضع والثبات، وقد تم اختيار اللون البني عند معظم الخطاطين، بما يرمز إليه من بساطة وعدم التكلف، وهو ما يتماشى مع القيم الإسلامية التي تشجع على التواضع في الملبس والسلوك، ومن جهة ثانية، فاللون البني هو من الألوان التي توصف بالدافئة مثل الأحمر والأخضر والأصفر والأزرق والبرتقالي، وتعكس هذه الألوان الحيوية والدفء والهدوء في التصميم.
عادي
«الثلث الجلي».. فضاءات بصرية مترعة بجمال التصميم
31 أكتوبر 2024
19:54 مساء
قراءة
3
دقائق
https://tinyurl.com/58upp2st