تدحرج انحداري ظاهره أزياء

ما رأيك في نبش زاوية كاريكاتوريّة من الابتكار؟ مسألة في إمكانك أن تصنع منها قضية. الفكرة أقرب إلى الدعابة، لكنها سرعان ما تقنفذت وصار حديثها ذا شجون. في البدء كان السؤال: أليس مثاراً للعجب أن الخريطة العربية، التي سادت عليها وبادت حضارات عالمية شتى، وصل بها قحط الابتكار إلى استيراد بنطلونات الجينز الممزقة، بأبهظ الأثمان، لتتهادى بها غصون البان في مراكز التسوق؟ بلغ الأمر بمصممي الأزياء العرب حدّ العجز عن إتحاف أهل الزمان بوثبات مبتكرة مستوحاة من أجمل ما أبدعته فنون الأزياء، عبر آلاف السنين من حضارات مصر ووادي الرافدين وأوجاريت والجزيرة العربية وبعلبك وقرطاج إلى بدائع الروائع الذوقية في الأندلس.
أهل البحوث في العالم العربي يحتاجون إلى دورات مكثفة في الوعي، حتى يدركوا أن تلك الأشياء، التي تلوح عابرة هامشية، ليست كذلك، فهي ذات آثار سلبية في مستويي علمي النفس والاجتماع: أليس خطراً جسيماً على الهوية والشخصية فصل الفرد عن تاريخه ومنظومة قيمه؟ أليس نكبةً تتفيه الوجود العربي بجعل قدوته في مظهره وسلوكه وبوصلة حياته، متمثلةً في السراويل الممزقة والوجبات السريعة الضارة؟ يقيناً، مفكرونا ومثقفونا وأدباؤنا، يرون في تلك المسوخ تشويهاً للشبيبة العربية، رأسمال مستقبل الشعوب، وترديّاً بها إلى الدرك الأسفل؟ هل تنتظر ممّن سلبوه القدرة على التفكير والتمييز، حتى صار لا يشعر بأن الأزياء الهابطة والفنون الساقطة، وتهميش القيم، إنما هي أسلحة دمار شامل؟ هل تتوقع ممّن يتوهم أن الحضارة والرقي ومواكبة العصر، في تلك المظاهر الجوفاء المهترئة، أن يعي المتطلبات الأساسية الحيوية لشعبه ووطنه وأمّته؟ ها أنت ترى أن أربعمئة مليون عربي تنهشهم الذئاب وهم «ما لجرح بميّت إيلامُ».
لكي تدرك أن تلك المسألة البسيطة هي أخطر قضية على مدى الخريطة، يجب إلقاء نظرة عميقة فاحصة على الأسباب الحقيقية، التي عملت طوال أكثر من قرن على تجويف التربية والتعليم وتفريغهما من المضمون، وتجريدهما من الرسالة المصيرية، تأمّل مستوى العلوم والبحث العلمي والاستثمار في العلوم. انظر ضآلة الإعلام العلمي. كيف ترى تسونامي الدمار وتصحّر التنمية؟ هل قتلت بعض الوقت في التعرف إلى منسوب أذواق الشبيبة في البلدان العربية، خصوصاً تلك التي أرجعوها إلى العصر الحجري؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستشرافية: أغلب الظن أن رأيك هو أن العالم العربي مشرف على المجهول. المجهول معلوم لدى العارفين.
[email protected]