د. ناجي صادق شراب
إسرائيل.. الثابت الوحيد في السياسة الأمريكية منذ 1948. فالقاسم المشترك بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي هو الالتزام بأمن إسرائيل وبقائها قوة مهيمنة. وهذا الالتزام على مستوى الكونغرس والرئاسة. ومع كل انتخابات، على المستويين، يتجدد هذا الالتزام، كما نرى اليوم في الحرب على غزة، إذ يتسابق المرشحون في الذهاب بعيداً في التعبير عن الالتزام بتقديم المال والسلاح. ولعل ذلك يُعزى إلى أسباب كثيرة ما بين الثقافية والأيديولوجية والسياسية والأمنية والاستراتيجية، ووجود لوبي يتحكم في تفاعلات السياسة الأمريكية.
ومن دون الدخول في التفاصيل، يكفى القول إن الالتزام بأمن إسرائيل وبقائها يعتبر قضية داخلية مثل أي قضية أخرى، والدور الذي يلعبه الإنجيليون الذين يزيد عددهم على ستين مليوناً، ويؤمنون بأن عودة السيد المسيح المنتظرة مرتبطة بعودة اليهود لفلسطين، لذلك فاللوبي اليهودي، وما يملكه من قدرات مالية، وتركيز الصوت اليهودي في الولايات الكبيرة، هو الذي يحسم نتائج الانتخابات الرئاسية، والمفارقة هنا أن سياسة واشنطن تجاه الدول العربية والقضية الفلسطينية مرتبطة بالموقف من إسرائيل.
لقد مرت إسرائيل بمراحل أساسية، ومع كل مرحلة يبرز لنا الدور الذي يلعبه الرؤساء الأمريكيون. أولاً مرحلة التأسيس، ثم مرحلة النشأة، ومرحلة التثبيت، ثم مرحلة التمكين والتمدد ومرحلة الاعتراف. والسؤال، لماذا مرحلة الرئيس وودرو ويلسون الذي حكم من 4 مارس/آذار 1913 إلى 4 مارس/آذار 1921 تزامنت مع مرحلة التأسيس التي تمثلت بوعد بلفور. وما كان لهذا الوعد أن يصدر لولا دعم وتأييد الرئيس ويلسون للقاضي لويس برانديس في المحكمة العليا، وهو سياسي أمريكي يهودي ومتعصب للحركة الصهيونية.
وكما أشار المؤرخ الإسرائيلي كوبي برادا فإن الحكومتين البريطانية والأمريكية لم تكونا متحمستين لصدور الوعد باستثناء وزير الخارجية البريطانية بلفور من الجانب البريطاني والقاضي الأمريكي لويس برانديس الذي كان على اتصال بحاييم وايزمان وبمساعده الكولونيل إدوارد مندل هاوس، وهو أكثر مستشاري الرئيس ويلسون قرباً من الحاخام فيينز. هذا الثالوث أقنع الرئيس ويلسون بتأييد الوعد رغم نقده لليهود ووصفهم بالأنانية، واتهامه بمعاداة السامية لتنتهي القصة بإرسال برقية تأييد لرئيس وزراء بريطانيا لويد جورج، بأن «الرئيس ينظر بعين العطف والرضا للحركة الصهيونية».
أما الرئيس الثاني الذي أعلن اعترافه بإسرائيل بعد 11 دقيقة من إعلانها فهو الرئيس هاري ترومان، الرئيس الثالث والثلاثون للولايات المتحدة، وكان أول سفير للولايات المتحدة في تل أبيب هو جيمس غروفر ماكدونالد الذي قدم أوراق اعتماده للرئيس الإسرائيلي بتاريخ 28 مارس/آذار 1949. وكان ذلك لاعتبارات سياسية، بهدف الفوز بالانتخابات الرئاسية. هذا الموقف هو الحاكم لسلوك كل رؤساء الولايات المتحدة وصولاً للرئيس الحالي جو بايدن، والثلاثة ينتمون للحزب الديمقراطي.
وكما يقول الباحث الإسرائيلي شموئيل روزنران، إن القضيتين الرئيسيتين اللتين تحكمان العلاقة بين الولايات وإسرائيل هما الالتزام الدائم بأمن إسرائيل وتفوقها على كل محيطها. ولعل الرئيس بايدن قد تفوق على غيره من الرؤساء في دعمه وتبنيه لهاتين القضيتين. ويقول الباحث إن الرئيس بايدن عبّر عن مواقفه في الكثير من المناسبات منذ 2008 لتأكيد التزامه بأمن إسرائيل. وقوله إنه عرف كل رؤساء وزراء إسرائيل منذ غولدا مائير عام 1973. ويروى عن غولدا مائير ما قالته لجو بايدن عندما كان سيناتوراً، إنه ليس لنا مكان آخر نذهب إليه، فرد عليها «اسمي جو بايدن، والجميع يعرف أنني أحب إسرائيل»، مؤكداً إيمانه العميق بتحالف إسرائيل مع الولايات المتحدة، وقوله لنتنياهو «أنا لا أتفق مع أي شيء تقوله لكنني أحبك». ويقول الباحث الإسرائيلي شموئيل روزنران إن بايدن نعرفه ويعرفنا، وقد اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل قبل عقدين من اعتراف ترامب، إذ أيَّد مشروع قرار في مجلس الشيوخ من سنوات بنقل السفارة الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس، وساعد عندما كان نائباً للرئيس أوباما بأكبر دعم تحصل عليه إسرائيل في عام 2016 بقيمة 83 مليار دولار.علما بأن فترة حكم أوباما ونائبه بايدن كانت الأكثر نشاطاً استيطانياً. ويذكرنا بايدن بمقولته المشهورة عام 1986 أنه «إذا لم تكن إسرائيل موجودة فستضطر الولايات المتحدة إلى اختراع إسرائيل لحماية المصالح الأمريكية» وكما تقول صحيفة «هآرتس» إن علاقة بايدن بإسرائيل طويلة ومعقدة، وكانت زيارته إلى تل أبيب بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وتبنيه لوجهة نظر إسرائيل ورفضه وقف إطلاق النار وتقديم مساعدة بأكثر من 14 مليار دولار هو المثال على العلاقة المميزة لبايدن مع إسرائيل، إضافة إلى ممارسة حق «الفيتو» في مجلس الأمن ضد كل مشاريع القرارات المطالبة بوقف القتال..
هذه المواقف تلخص كل التاريخ السياسي لثلاثة رؤساء أمريكيين ديمقراطيين في دعمهم لإسرائيل. وبالمقابل تبقى كل الوعود الأمريكية بحل الدولتين، حتى الآن، مجرد وعود.
[email protected]